يوجب توفير المال جزما، وإن كان واحد من هذين السببين غير مؤثر فيما ربطه الوهم به فأريد قلع هذا الخيال المتمكن من الطبع بالايذان بأن الله تعالى قد يوفر المال وينميه مع كثرة العيال التي هي سبب في الأوهام لنفاد المال، وقد يقدر الاملاق مع عدمه الذي هو سبب في الاكثار عند الأوهام والواقع شهد لذلك بلا مراء، فدل ذلك قطعا على أن الأسباب التي يتوهمها البشر مرتبطات بمسبباتها ارتباطا لا ينفك ليست على ما يزعمونه، وإنما يقدر الغنى والفقر مسبب الأسباب غير موقوف تقدير ذاك إلا على مشيئته خاصة، وحينئذ لا ينفر العاقل المتيقظ من النكاح، لان قد استقر عنده أن لا أثر له في الأقتار، وأن الله تعالى لا يمنعه ذلك من إغنائه، ولا يؤثر أيضا الخلو عن النكاح لأجل التوفير، لأنه قد استقر أن لا أثر له فيه، وأن الله تعالى لا يمنعه مانع أن يقتر عليه، وأن العبد إن تعاطى سببا فلا يكن ناظرا إليه ولكن إلى مشيئة الله تعالى وتقدس، فمعنى قوله حينئذ إن يكونوا فقراء الآية: أن النكاح لا يمنعهم من الغنى من فضل الله، فعبر عن نفى كونه مانعا من الغنى بوجوده معه، ولا تبطل المانعية إلا وجود ما يتوهم ممنوعا مع ما يتوهم مانعا ولو في صورة من الصور على أثر ذلك، فمن هذا الوادي أمثال قوله تعالى - فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض - فإن ظاهر الامر طلب الانتشار عند انقضاء الصلاة وليس ذلك بمراد حقيقة، ولكن الغرض تحقيق زوال المانع وهو الصلاة، وبيان أن الصلاة متى قضيت فلا مانع، فعبر عن نفى المانع بالانتشار بما يفهم تقاضى الانتشار مبالغة في تحقيق المعنى عند السامع والله أعلم، فتأمل هذا الفصل واتخذه عضدا حيث الحاجة إليه.
(٦٥)