الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٨
المفعول عوضا منه اه‍ كلامه. قلت: مقتضى كلام سيبويه في أمثال هذه الآية أن الأصل فيه فاعبد الله ثم حذفوا الفعل الأول اختصارا فلما وقعت الفاء أولا استنكروا الابتداء بها ومن شأنها التوسط بين المعطوف والمعطوف عليه فقدموا المفعول وصارت متوسطة لفظا ودالة على أن ثم محذوفا اقتضى وجودها ولتعطف عليه ما بعدها ويضاف إلى هذه الغاية في التقديم فائدة الحصر كما تقدم من إشعار التقديم بالاختصاص.
قوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) قال فيه:
الغرض من هذا الكلام تصوير عظمته تعالى والتوقيف على كنه جلاله من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز، وكذلك حكم ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن حبرا جاء إليه فقال:
يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعجب مما قال الحبر ثم قرأ هذه الآية تصديقا له " وإنما ضحك أفصح العرب لأنه لم يفهم منه إلا ما فهمه علماء البيان من غير تصوير إمساك ولا هز ولا شئ من ذلك، ولكن فهمه وقع أول شئ وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة التي لا يوصل السامع إلى الوقوف عليها إلا إجراء العبارة على مثل هذه الطريقة من التخييل، ثم قال: وأكثر كلام الأنبياء والكتب السماوية وعليتها تخييل قد زلت فيه الأقدام قديما اه‍ كلامه.
قلت: إنما عنى بما أجراه ههنا من لفظ التخييل التمثيل، وإنما العبارة موهما منكرة في هذا المقام لا تليق به بوجه من الوجوه والله أعلم.
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 402 405 406 407 408 412 413 414 415 416 ... » »»