الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٦
الجسمية فإنه اغترار في اعتقاده بأدلة العقل المجوزة لذلك مع البراءة من اعتقاد الجسمية، ولم يشعر أنه يقابل بهداية قول نبي الهدى عليه الصلاة والسلام " إنكم سترون ربكم كالقمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته " فهذا النص الذي ينبو عن التأويل ولا يردع المتمسك به شئ من التهويل، وأما قوله إنهم يتسترون بالبلكفة فيعنى به قولهم بلا كيف أجل إنها لستر لا تهتكه يد الباطل البتراء ولا تبعده عن اهدى عن الضلال العوراء. وأما تعريضه بأنهم يجعلون لله أندادا بإثباتهم معه قدماء فنفى لإثباتهم صفات الكمال، كلا والله إنما جعل لله أندادا القدرية إذ جعلوا أنفسهم يخلقون ما يريدون ويشتهون على خلاف مراد ربهم حتى قالوا: إن ما شاءوه كان وما شاء الله لا يكون. وأما أهل أهل السنة فلم يزيدوا على أن اعتقدوا أن لله تعالى علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا وكلاما وحياة حسبما دل عليه العقل وورد به الشرع، وأي مخلص للقدري إذا سمع قوله تعالى - وسع ربنا كل شئ علما - إلا اعتقاد أن لله تعالى علما أو جحد آيات الله وإطفاء نوره - ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون - وأما قوله إنهم يثبتون لله تعالى يدا وقدما ووجها فذلك فرية ما فيها مرية ولم يقل بذلك أحد من أهل السنة، وإنما أثبت القاضي أبو بكر صفات سمعية وردت في القرآن اليدان والعينان والوجه ولم يتجاوز في إثباتها ما وردت عليه في كتاب الله العزيز على أن غيره من أهل السنة حمل اليدين على القدرة والنعمة والوجه على الذات، وقد مر ذلك في مواضع من الكتاب، فقد اتصف في هذه المباحثة بحال من بحث بظلفه على حتفه وتعريضه معتقده الفاسد لهتك ستره وكشفه، وإنما حملني على إغلاظ مخاطبته الغضب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأهل سنته، فإنه قد أساء عليهم الأدب ونسبهم بكذبه إلى الكذب، والله الموعد.
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 402 405 406 407 408 412 413 414 ... » »»