قوله تعالى (يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) الآية، قال فيه: إن قلت: ما فائدة قوله ويؤمنون به، ولا يخفى على أحد أن حملة العرش ومن حوله من الملائكة مؤمنون بالله تعالى. وأجاب بأن فائدته إظهار شرف الإيمان كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك، وكما عقب أفعال البر بقوله - ثم كان من الذين آمنوا - فأبان بذلك فضل الإيمان، وفائدة أخرى وهى التنبيه على أن الأمر لو كان كما يقول المجسمون لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين ولما وصفوا بالإيمان لأنه إنما يوصف بالإيمان الغائب، فلما وصفوا به على سبيل الثناء علم أن إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في أن إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، وأنه لا طريق إلى معرفته إلا هذا. قال: وفيه تنبيه على أن الاشتراك في وصف الإيمان يجب أن يكون أدعى شئ إلى النصيحة وأبعث شئ على إمحاض الشفقة وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن فإنه لا تجانس بين ملك وبشر، ومع ذلك لما اشتركا في صفة الإيمان نزل ذلك منزلة الاشتراك الحقيقي والتناسب الجنسي حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض اه كلامه. قلت: كلام حسن إلا استدلاله بقوله - ويؤمنون به - على أنهم ليسوا مشاهدين، فهذا لا يدل لأن الإيمان هو التصديق غير مشروط فيه غيبة المصدق به بدليل صحة إطلاق الإيمان بالآيات مع أنها مشاهدة كانشقاق القمر وقلب العصاحية، وإنما لقب الزمخشري بهذا التكلف عما في قلبه من مرض لكنه طاح بعيدا عن الغرض، فقرر أن حملة العرش غير مشاهدين بدليل قوله تعالى - يؤمنون - لأن معنى الإيمان عنده التصديق بالغائب ثم يأخذ من كونهم غير مشاهدين أن الباري عز وجل لو صحت رؤيته لرأوه، فحيث لم يروه لزم أن تكون رؤيته تعالى مما لا يصححه العقل، وقد أبطلنا ما ادعاه من أن الإيمان مستلزم عدم الرؤية، ولو سلمناه فلا نسلم أنه يلزم من كون حملة العرش غير مشاهدين له تعالى أن تكون رؤيته غير صحيحة، وقوله ولو كانت صحيحة لرأوه شرطية عقيمة الإنتاج لأن الرؤية عبارة عن إدراك يخلق الله
(٤١٤)