الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٥
قوله تعالى (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) قال فيه (يعنى الذين وصفوه تعالى بما لا يجوز عليه وهو متعال عنه الخ) قال أحمد: قد عدا طور التفسير لمرض في قلبه لادواء له إلا التوفيق الذي حرمه، ولا يعافيه منه إلا الذي قدر عليه هذا الضلال وحتمه، وسنقيم عليه حد الرد لأنه قد أبدى صفحته، ولولا شرط الكتاب لأضربنا عنه صفحا ولوينا عن الالتفات إليه كشحا، وبالله التوفيق. فنقول: أما تعريضه بأن أهل السنة يعتقدون أن القبائح من فعل الله تعالى فيرجمه باعتقادهم المشار إليه قوله تعالى بعد آيات من هذه السورة - الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل - أما الزمخشري وإخوانه القدرية فيغيرون في وجه هذه الآية ويقولون: ليس خالق كل شئ لأن القبائح أشياء وليست مخلوقة له، فاعتقدوا أنهم نزهوا وإنما أشركوا، وأما تعريضه لهم في أنهم يجوزون أن يخلق خلق لا لغرض فذلك لأن أفعاله تعالى لا تعلل لأنه الفعال لما يشاء. وعند القدرية ليس فعالا لما يشاء لأن الفعل إما منطو على حكمة ومصلحة فيجب عليه أن يفعله عندهم، وإما عار عنهما فيجب عليه أن لا يفعله فأين أثر المشيئة إذا. وأما اعتقاده أن في تكليف مالا يطاق تظليما لله تعالى فاعتقاد باطل لأن ذلك إنما ثبت لازما لاعتقادهم أن الله تعالى خالق أفعال عبيده، فالتكليف بما تكليف بما ليس مخلوقا لهم، والقاعدة الأولى حق ولازم الحق حق، ولا معنى للظلم إلا التصرف في ملك الغير بغير إذنه، والعبادات ملك الله تعالى فيكف يتصور حقيقة الظلم منه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وأما تعريضه بأنهم يجوزون أن يؤلم لا لعوض فيقال له:
ما قولك أيها الظنين في إيلام البهائم والأطفال ولا أعواض لها، وليس مرتبا على استحقاق سابق خلافا للقدرية، إذ يقولون: لابد في الألم من استحقاق سابق أو عوض. وأما اعتقاده أن تجويز رؤية الله تعالى يستلزم اعتقاد
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 396 397 398 402 405 406 407 408 412 413 ... » »»