قوله تعالى (ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمة) الآية، قال فيه: فإن قلت: قد ذكر أولا الرحمة والعلم ثم ذكر ما توجبه الرحمة وهو الغفران، فأين موجب العلم؟ وأجاب بأن معناه: فاغفر للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيلك. قال: وقوله - إنك أنت العزيز الحكيم - معناه الملك الذي لا يغلب وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئا إلا بداعي الحكمة، وموجب حكمتك أن السيئات هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها، والوقاية منها: التكفير أو قبول التوبة. ثم قال: فإن قلت: ما الفائدة في استغفارهم وهم تائبون صالحون موعودون بالمغفرة والله لا يخلف الميعاد؟ وأجاب بأن هذا بمنزلة الشفاعة وفائدته زيادة الكرامة والثواب اه كلامه. قلت: كلامه ههنا محشو بأنواع الاعتزال: منها اعتقاد وجوب مراعاة المصلحة ودواعي الحكم على الله تعالى، ومنها اعتقاد أن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر وجوبا وإن لم يكن توبة. ومنها اعتقاد امتناع غفران الله تعالى للكبائر التي لم يتب عنها، ومنها اعتقاد وجوب قبول التوبة على الله تعالى، ومنها جحد الشفاعة واعتقاد أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه مراعاة المصلحة، وأنه يجوز أن يعذب على الصغائر وإن اجتنب الكبائر، وأنه يجوز أن يغفر الكبائر ما عدا الشرك وإن لم يتب منها، وأن قبول التوبة بفضله ورحمته لا بالوجوب عليه وأنها تنال أهل الكبائر المصرين من الموحدين، فهذه
(٤١٦)