الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٣١
أصرح وأقوى من قوله أولا لا أحب الآفلين، وإنما ترقى إلى ذلك لأن الخصوم قد أقامت عليه بالاستدلال الأول حجة فأنسوا بالقدح في معتقدهم، ولو قيل هذا في الأول فلعلهم كانوا ينفرون ولا يصغون إلى الاستدلال، فما عرض صلوات الله عليه بأنهم في ضلالة إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود واستماعهم إلى آخره، والدليل على ذلك أنه ترقى في النوبة الثالثة إلى التصريح بالبراءة منهم والتقريع بأنهم على شرك حين قيام الحجة عليهم وتبلج الحق وبلغ من الظهور غاية المقصود، والله أعلم. عاد كلامه، قال (وقوله هذا أكبر من باب استعمال النصفة أيضا مع خصومه الخ) قال أحمد: وصدق الزمخشري بل ذلك متعين، وقد ورد الحديث الوارد في الشفاعة " أنهم يأتون إبراهيم عليه السلام فيلتمسون منه الشفاعة، فيقول نفسي نفسي لا أسأل أحدا غيري ويذكر كذباته الثلاث ويقول: لست لها " يريد قوله لسارة هي أختي، وإنما عنى في الاسلام، وقوله إني سقيم وإنما عنى همه بقومه وبشركهم والمؤمن يسقمه ذلك، وقوله بل فعله كبيرهم، وقد ذكرت فيه وجوها من التعريض، فإذا عد صلوات الله عليه وسلامه على نفسه هذه الكلمات مع العلم بأنه غير مؤاخذ بها دل على ذلك أنها أعظم ما صدر منه، فلو كان الامر على ما يقال من أن هذا الكلام محكي عنه على أنه نظر لنفسه لكان أولى أن يعده أعظم مما ذكرناه، لأنه حينئذ لا يكون شكا بل جزما. على أن الصحيح أن الأنبياء قبل النبوة معصومون من ذلك. عاد كلامه، قال
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 36 37 ... » »»