قوله تعالى (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون.
فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم (قال معناه: فالق الحب والنوى بالنبات والشجر الخ) قال أحمد رحمه الله: وقد وردا جميعا بصيغة الفعل كثيرا في قوله - يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون - وقوله - أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي - فعطف أحد القسمين على الآخر كثيرا دليل على أنهما توأمان مقترنان وذلك يبعد قطعه عنه في آية الأنعام هذه ورده إلى - فالق الحب والنوى - فالوجه والله أعلم أن يقال: كان الأصل وروده بصيغة اسم الفاعل أسوة أمثاله من الصفات المذكورة في هذه الآية من قوله فالق الحب - وفالق الإصباح وجاعل الليل - ومخرج الحي من الميت - إلا أنه عدل عن اسم الفاعل إلى الفعل المضارع في هذا الوصف وحده وهو قوله - يخرج الحي من الميت - إرادة لتصوير إخراج الحي من الميت واستحضاره في ذهن السامع، وهذا التصوير والاستحضار إنما يتمكن في أدائهما الفعل المضارع دون اسم الفاعل والماضي، وقد مضى تمثيل ذلك بقوله تعالى - ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة - فعدل عن الماضي المطابق لقوله أنزل لهذا المعنى ومنه ما في قوله:
وإني قد لقيت الغول تسعى * بسهب كالصحيفة صحصحان فآخذها فأضربها فخرت * صريعا لليدين وللجران فعدل إلى المضارع إرادة لتصوير شجاعته واستحضارها لذهن السامع، ومنه - إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة - فعدل عن مسبحات وإن كان مطابقا لمحشورة بهذا السبب، والله أعلم. ثم هذا المقصد إنما يجئ فيما تكون العناية به أقوى، ولا شك أن إخراج الحي من الميت أشهر في القدرة من عكسه، وهو أيضا أول الحالين والنظر أول ما يبدأ فيه، ثم القسم الآخر وهو إخراج الميت من الحي ناشئ عنه، فكان