الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٦٣٨
في الكفر والامتناع من الامتثال للامر، لان اليهود قيل لهم - ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم - فقابلوا ذلك بأن قالوا - فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون - والنصارى قالوا نحن - أنصار الله - ومن ثم سموا نصارى وكذلك أيضا ورد أول هذه السورة - ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به - فأسند ذلك إلى قولهم والإشارة به إلى قولهم نحن أنصار الله، لكنه ههنا ذكر تنبيها على أنهم لم يثبتوا على الميثاق ولا على ما قالوه من أنهم أنصار الله. وفي الآية الثانية ذكر تنبيها على أنهم أقرب حالا من اليهود، لانهم لما ورد عليهم الامر لم يكافحوه بالرد مكافحة اليهود، بل قالوا نحن أنصار الله، واليهود قالت:
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، فهذا سره والله أعلم. عاد كلامه: قال (إن قلت: ما معنى قوله ترى أعينهم تفيض من الدمع الخ). قال أحمد: وهذه العبارة من أبلغ العبارات وأنهاها، وهي ثلاث مراتب:
فالأولى فاض دمع عينه وهذا هو الأصل، والثانية محولة من هذه وهي قول القائل فاضت عينه دمعا حولت الفعل إلى العين مجازا ومبالغة ثم نبهت على الأصل والحقيقة بنصب ما كان فاعلا على التمييز، والثالثة فيها هذا التحويل المذكور، وهي الواردة في الآية إلا أنها أبلغ من الثانية باطراح المنبهة على الأصل وعدم نصب التمييز وإبرازه في صورة التعليل والله أعلم. وإنما كان الكلام مع التعليل أبعد عن الأصل منه مع التمييز، لان التمييز في مثله قد استقر كونه فاعلا في الأصل في مثل تصبب زيد عرقا، وتفقأ عمرو شحما - واشتغل الرأس شيبا - وتفجرت
(٦٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 632 633 635 636 637 638 639 641 642 643 644 ... » »»