الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٦٣٦
وضلوا عن سواء السبيل (قال) معناه لا تغلوا في دينكم غلوا باطلا الخ قال أحمد: يعني بأهل العدل والتوحيد المعتزلة، ويعني بغلوهم الذي هو حق عندهم أنهم غلوا في التوحيد فجحدوا الصفات الإلهية، وغلوا في التعديل فنفوا أكثر الافعال بل كلها عن أن تكون مخلوقة لله تعالى لانطوائها في مفاسد، ولان الله تعالى يعاقب على ما هو قبيح منها، والعدل عندهم أن لا يعاقب على فعل خلقه فهذا غلوهم في التعديل، وهو كما ترى أنه كاسد عن التوحيد لانهم جعلوا كل مخلوق من الحيوانات خالقا، فالنصارى غلوا فأشركوا ثلاثة، والمعتزلة كما رأيت أشركوا كل أحد بل غير الآدميين في الخلق الذي هو خاص بالرب، ويعني الزمخشري بأهل البدع والأهواء من عدا الطائفة المذكورة، ويعني بغلوهم الباطل إثبات الصفات لله تعالى وتوحيده على الحق حتى لا خالق سواه ولا مخلوق إلا بقدرته، وقد ترضى عن شيعته وإخوانه وسكت عن ذكر من عداهم، ونحن نقول: اللهم ارض عمن هو أحق الطوائف برضاك وهذه دعوة أيضا بلا خلاف والله الموفق.
قوله تعالى (لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) قال (إن قلت كيف وقع ترك التناهي الخ) قال أحمد: وفي هذا التوبيخ الاخبار بأمرين قبيحين أحدهما بأنهم كانوا يفعلون المناكر والآخر أنهم كانوا تاركين للنهي عنها: أي عن أمثالها في المستقبل، ولولا زيادة فعلوه لما صرح بوقوعها منهم، ولكان المصرح به ترك النهي عن المنكر عند استحقاق النهي وذلك حين الاشراف على تعاطيه وظهور الامارات الدالة عليه، فانتظم ثبوت الامرين جميعا على أخصر وجه وأبلغه. وقد دلت هذه الآية على المذهب الصحيح الأشعري من أن متعلق النهي فعل وهو الترك، خلافا لأبي هاشم المعتزلي في قوله إن متعلقه نفي محض وعدم صرف. ووجه دلالة الآية
(٦٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 630 631 632 633 635 636 637 638 639 641 642 ... » »»