الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٦١٦
بالصفة العظيمة قد يراد إعظام الصفة بعظم موصوفها، وعلى هذا الأسلوب جرى وصف الأنبياء بالصلاح في قوله تعالى - وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين - وأمثاله تنويها بمقدار الصلاح إذ جعل صفة الأنبياء وبعثا لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته وكذلك قيل في قوله تعالى - الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا - فأخبر عن الملائكة المقربين بالايمان تعظيما لقدر الايمان وبعثا للبشر على الدخول فيه ليساووا الملائكة المقربين في هذه الصفة، وإلا فمن المعلوم أن الملائكة مؤمنون ليس إلا، ولهذا قال - ويستغفرون للذين آمنوا - يعني من البشر لثبوت حق الاخوة في الايمان بين الطائفتين، فكذلك والله أعلم جرى وصف الأنبياء في هذه الآية بالاسلام تنويها به، ولقد أحسن القائل في أوصاف الاشراف والناظم في مدحه عليه الصلاة والسلام:
فلئن مدحت محمدا بقصيدتي * فلقد مدحت قصيدتي بمحمد والاسلام وإن كان من أشرف الأوصاف إذ حاصله معرفة الله تعالى بما يجب له ويستحيل عليه ويجوز في حقه، إلا أن النبوة أشرف وأجل لاشتمالها على عموم الاسلام مع خواص المواهب التي لا تسعها العبارة فلو لم نذهب إلى الفائدة المذكورة في ذكر الاسلام بعد النبوة في سياق المدح لخرجنا عن قانون البلاغة المألوف في الكتاب العزيز وفي كلام العرب الفصيح وهو الترقي من الأدنى إلى الاعلى لا النزول على العكس: ألا ترى أبا الطيب كيف تزحزح عن هذا المهيع في قوله:
شمس ضحاها هلال ليلتها * در تقاصيرها زبرجدها فنزل عن الشمس إلى الهلال وعن الدر إلى الزبرجد في سياق المدح، فمضغت الألسن عرض بلاغته ومزقت أديم صيغته، فعلينا أن نتدبر الآيات المعجزات حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوها في البلاغة المعهود لها، والله الموفق.
(٦١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 611 612 613 614 615 616 621 622 623 625 626 ... » »»