الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٣٩١
قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب أرنى) إلى قوله (ولكن ليطمئن قلبي) قال محمود (إن قلت: كيف قال له أو لم تؤمن وقد علم الخ) قال أحمد: الأولى في هذه الآية أن يذكر فيها المختار في تفسيرها من المباحث الممتحنة بالفكر المحرر والنكت المفصحة بالرأي المخمر، فما وافق من كلام المصنف ما يذكره فالحمد الله، وما خالفه فالحق فيما ذكرناه والله الموفق فنقول: أما سؤال الخليل عليه السلام بقوله له كيف تحيى الموتى فليس عن شك والعياذ بالله في قدرة الله عن الاحياء، ولكنه سؤال عن كيفية الاحياء، ولا يشترط في الايمان الإحاطة بصورتها فإنما هي طلب علم مالا يتوقف الإيمان على علمه، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف وموضعها السؤال عن الحال، ونظير هذا السؤال أن يقول القائل: كيف يحكم زيد في الناس فهو لا يشك إنه يحكم فيهم ولكنه سأل عن كيفية حكمه لا ثبوته، ولو كان الوهم قد يتلاعب ببعض الخواطر فيطرق إلى إبراهيم شكا من هذه الآية وقد قطع النبي عليه الصلاة والسلام دابر هذا الوهم بقوله (نحن أحق بالشك من إبراهيم) أي ونحن لم نشك فلأن لا يشك إبراهيم أحرى وأولى.
فإن قلت: إذا كان السؤال مصروفا إلى الكيفية التي لا يضر عدم تصورها ومشاهدتها بالايمان ولا تخل به فما موقع قوله تعالى - أو لم تؤمن - قلت: قد وقعت لبعض الحذاق فيه على لطيفة وهى أن هذه الصيغة تستعمل ظاهرا في السؤال عن الكيفية كما مر، وقد تستعمل في الاستعجاز. مثاله أن يدعى مدع أنه يحمل ثقلا من الأثقال وأنت جازم بعجزه عن حمله فتقول له: أرنى كيف محمل هذا، فلما كانت هذه الصيغة قد يعرض لها هذا الاستعمال الذي أحاط علم الله تعالى بأن إبراهيم مبرأ منه أراد بقوله أو لم تؤمن أن ينطق إبراهيم بقوله بلى آمنت ليدفع عنه ذلك الاحتمال اللفظي في العبارة الأولى ليكون إيمانه مخلصا نص عليه بعبارة يفهمها كل من يسمعها فهما لا يلحقه فيه شك. فإن قلت: قد تبين لي وجه. الربط بين الكلام على التقدير المبين فما موقع قول إبراهيم ولكن ليطمئن قلبي؟
(٣٩١)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 397 ... » »»