الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٣٩٠
قبل الايمان وما قدرت هذا السؤال إلا لنكتة يذكرها الزمخشري الآن تشعر بإيراده على الترجيح المذكور. ثم هذه الجراءة التي نقلها الزمخشري في خلال كلامه من أنه إنما قال أو بعض يوم لما رأى بقية من الشمس لم يكن رآها أول كلامه، فاستدرك الامر فيها نظر دقيق لم أقف عليه لاحد ممن أورد الحكاية في تفسيره، وذلك أن الامر إذا كان على ما تضمنته وكلام المار المذكور بنى أولا على الجزم بأنه لبث يوما ثم جزم آخرا أن لبثه إنما كان بعض يوم لرؤية بقية من الشمس وكان مقتضى التعبير عن حاله أن يقول بل بعض يوم مضربا عن جزمه الأول إلى جزمه الثاني، لان أو إنما تدخل في الخبر إذا انبنى أوله على الجزم ثم عرض في آخره شك ولا جزم بالنقيض، فالحكاية المذكورة توجب أن يكون الموضع لبل لالأو إذ موضع بل جزم بنقيض الأول، فإذا استقر ذلك فالظاهر من حال المار أنه كان أولا جازما، ثم شك لا غير اتباعا لمقتضى الآية وعدولا عن الحكاية التي لا تثبت إلا بإسناد قاطع فيضطر إلى تأويل، فتأمل هذا النظر فإنه من لطيف النكت والله الموفق. عاد كلامه قال: فإن قلت: إذا كان المار كافرا الخ؟ قال أحمد: وهذا السؤال عجيب والجواب عنه أعجب منه، ومن سلم لهذا السائل أن الله تعالى لا يسوغ أن يكلم الكافر وهل هذا إلا خطب بلا أصل أليس أن إبليس رأس الكفر ومعدنه، ومع هذا قال الله تعالى - اخرج منها فإنك رجيم - إلى آخر الآية، ويقول تعالى للكفار وهم بين أطباقها يعذبون - اخسئوا فيها ولا تكلمون - ولان هذا الامر متيقن وقوعه فضلا عن جوازه أول العلماء قوله تعالى - ولا يكلمهم الله - بمعنى ولا يكلمهم بما يسرهم وينفعهم، هذا وجه تعجبي من السؤال. وأما الجواب فقد أسلفت آنفا رده بأن إيمان هذا المار على القول بأنه كان كفرا إنما حصل في آخر القصة بعد أن تبينت له الآيات، وأما كلام الله تعالى فمن أول القصة. قلت: الزمخشري كفانا مؤنة هذا الفصل سؤالا وجوابا والله المستعان.
(٣٩٠)
مفاتيح البحث: الزمخشري (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 ... » »»