الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٣٨٨
عفا الله عنه: والوجهان قريبان من حيث المعنى إلا أن بينهما في الصناعة فرقا وهو إنما استعمل المصدر في الأول مفعولا من أجله وفي الثاني ظرفا، وقد وقعت المصادر ظروفا في مثل خفوق النجم ومقدم الحاج وأمثال ذلك، وإنما وقعت محاجته بهذا الظرف لاشتماله على إيتاء الملك الحامل له على البطر أو على وضع كفر النعمة فيه مكان شكرها، وهذان المعنيان هما المذكوران في الوجه الأول بعينهما، فلهذا نبهت على أن الفرق بين الوجهين صناعي لا معنوي، والله الموفق لمعاني كلامه.
قال محمود (فإن قلت: كيف جاز أن يؤتى الله الملك الكافر؟ قلت: ذلك على وجهين: أحدهما آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والاتباع. فأما التغليب والتسليط فلا. الثاني أن يكون ملكه امتحانا لعباده (قال أحمد) السؤال مبنى وروده على قاعدة فاسدة وهى اعتقاد وجوب مراعاة ما يتوهمه القدرية صلاحا أو أصلح على الله تعالى في أفعاله، وكل ذلك من أصول القدرية التي اجتثها البرهان القاطع فما لها من قرار - وأما إيراد السؤال على صيغة لم آتاه الله الملك وهو كافر أو لم فعل كذا وكذا فجواب رده على الاطلاق في قوله تعالى - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - لو سمع الصم البكم، والله ولى التوفيق. عاد كلامه قال: ومعنى قوله أنا أحيى وأميت: أعفى عن القتل وأقتل، وكان الاعتراض عتيدا ولكن إبراهيم عليه السلام لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه، ولكنه انتقل إلى ما لا يقدر فيه على مثل ذلك ليبهته أول شئ، وهذا دليل على جواز الانتقال للمجادل من حجة إلى حجة. قال أحمد: وقد التزم غير واحد من العلماء أن هذا الذي صدر من الخليل عليه الصلاة والسلام ليس بانتقال من الحجة ولكن من المثال، وأما الحجة فهي استدلاله على ألوهية الله تعالى بتعلق قدرته بما لا يجوز تعلق قدرة الحادث به، ثم هذا له أمثلة منها الإحياء والإماتة، ومنها الاتيان بالشمس من المشرق والعدول بعد قيام الحجة، وتمهيد القاعدة من مثال إلى مثال ليس ببدع عند أهل الجدل، والله أعلم.
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»