الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٤٠٥
وفي هذه الآية دليل بين مذهب مالك رضي الله عنه في إقامة الرهن عند التنازع في قدر الدين مقام شاهد للمرتهن إلى تمام قيمته، حتى لو تنازعا فقال الراهين رهنتكه بمائة، وقال المرتهن بل الرهن بمائتين لكان الرهن شاهدا بقيمته، خلافا للشافعي رضي الله عنه فإنه يرى القول قول الراهن مطلقا لأنه غارم. ووجه الدليل لمالك رضي الله عنه من الآية أن الله تعالى جعل في التوثق عوضا من الاشهاد والكتابة، وخصه بالسفر لاعوازهما حينئذ * ولو كان القول قول الراهن شرعا لم يكن قائما مقام الاشهاد ولا مفيدا فائدته يوجه، إذ لو لم يكن الرهن لكان القول قول المديان في قدر الدين، لم يزد وجود الرهن فائدة على عدمه باعتبار نيابته عن الاشهاد: ولا يقال إن فائدته الامتياز به على الغرماء لان تلك فائدة الاشهاد حتى يكون نائبا عنه عند تعذره، ولا فائدة إذ ذاك إلا جعل القول قول المرتهن في قدر الدين عند التخالف وهو مذهب مالك المقدم ذكره، ومن ثم لم يجعله شاهدا إلا في قيمته لا فيما زاد عليها معتضدا بالعادة في أن رب الدين لا يقبل في دينه إلا الموفى بقيمته، فدعواه أن الدين أكثر من القيمة مردودة بالعادة، والمديان أيضا لا يسمح بتسليم ما قيمته أكثر فيما هو أقل، فدعواه أو أن الدين أقل من القيمة مردودة بالعادة، ولا يبقى إلا النظر في أمر واحد، وهو أن المعتبر عند مالك في القيمة يوم الحكم حتى لو تصادقا على أن القيمة كانت يوم الرهن أكثر أو أقل لم يلتفت إلى ذلك زادت أو نقصت وإنما يعتبر يوم القضاء. ولقائل أن يقول:
إذا جعلتم الرهن مقام الشاهد عند عدمه لان العادة تقتضي أن الناس إنما يرهنون في الديون المساوي قيمته لها، فينبغي أن تعتبروا القيمة يوم الرهن غير معرجين على زيادتها ونقصانها يوم القضاء، وعند ذلك يتجاذب أطراف الكلام في أن المقتضي لاقامته مقام الشاهد هو المعنى المتقدم أو غيره، وليس غرضنا إلا أن الآية ترشد إلى إقامته مقام الشهادة في الجملة. وأما تفاصيل المسألة فذلك من خظ الفقه.
قال محمود (وأما القبض فلا بد من اعتباره الخ) قال أحمد: ليس بين مالك والشافعي خلاف في صحة الارتهان بالايجاب والقبول دون القبض، ولكنه عند مالك رضي الله عنه يصح بذلك ويلزم الراهن بالعقد تسليمه للمرتهن، وعند الشافعي لا يلزم بالقعد ولكن للقبض عند مالك اعتبار في الابتداء والدوام، ولا يشترط الشافعي كثيرا من أحكامه عند مالك، وذلك أنهما لو تقاررا على القبض ثم قام الغرماء انتفع بالرهن عند الشافعي وامتاز به، ولم ينتفع به عند مالك وكان أسوة الغرماء فيه حتى ينضاف إلى الشهادة عليهما بالقبض معاينة البينة لذلك لأنه يتهمهما بالتواطؤ على إسقاط حق الغرماء، فلا يعتبر إقرارهما إلا بانضمام المعاينة، فالقبض من هذا الوجه أدخل في الاعتبار
(٤٠٥)
مفاتيح البحث: الرهان (8)، الشهادة (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 402 404 405 406 407 408 410 411 ... » »»