تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٨٥٨
وتبصر كيف ضمنها الله النكت البديعة: حيث بنى الفعل في أولها على المبتدأ ليدل على الخصوصية، وجمع ضمير المتكلم ليؤذن بكبريائه وعظمته، وصدر الجملة بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم، وأتى بالكوثر المحذوف الموصوف ليكون أدل على الشياع والتناول على طريق الاتساع، وعقب ذلك بفاء التعقيب ليكون القيام بالشكر الأوفر مسببا عن الإنعام بالعطاء الأكثر.
وقوله: (لربك) تعريض بدين من تعرض له بالقول المؤذي من ابن وائل وأشباهه ممن كان في عبادته ونحره لغير الله. وأشار بهاتين العبارتين إلى نوعي العبادات: البدنية التي الصلاة إمامها، والمالية التي نحر البدن سنامها. وحذف اللام الأخرى (1) إذ دلت عليه الأولى، ولمراعاة حق التسجيع الذي هو من جملة نظمه البديع وأتى بكاف الخطاب على طريقة الالتفات إظهارا لعلو شأنه، وليعلم بذلك أن من حق العبادة أن يقصد بها وجه الله خالصا، ثم قال: (إن شانئك)، فعلل ما أمره به من الإقبال على شأنه في العبادة بذلك على سبيل الاستئناف، الذي هو جنس من التعليل رائع. وإنما ذكره بصفته لا باسمه ليتناول كل من أتى بمثل حاله، وعرف الخبر ليتم له البتر، وأقحم الفصل (2) لبيان أنه المعين لهذا النقص والعيب.
وذلك كله مع علو مطلعها، وتمام مقطعها، وكونها مشحونة بالنكت الجليلة، مكتنزة بالمحاسن غير القليلة، مما يدل على أنه كلام رب العالمين الباهر لكلام المتكلمين، فسبحان من لو لم ينزل إلا هذه السورة الموجزة لكفى بها آية معجزة، ولو هم الثقلان أن يأتوا بمثلها لشاب الغراب وساب كالماء السراب قبل أن يأتوا به.

(1) أي لم يقل: " وانحر لربك ".
(2) يعني به قوله: (هو).
(٨٥٨)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 853 854 855 856 857 858 859 861 862 863 865 ... » »»