تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٨٠٤
هذا استفهام عن انتفاء " الشرح " على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه، فكأنه قال: " شرحنا لك صدرك " ولذلك عطف عليه (وضعنا) اعتبارا للمعنى، ومعنى " شرحنا لك صدرك ": فسحناه حتى وسع دعوة الثقلين، أو:
فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم، وعن الحسن: ملئ حكمة وعلما (1).
والوزر (الذي أنقض ظهرك) أي: حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك، مثل لما كان يثقل على رسول الله من تحمل أعباء النبوة، وما كان يصيبه من أذى الكفار مع شدة حرصه على إسلامهم، ووضع ذلك عنه بأن أيده بالمعجزات، وأنزل السكينة عليه، وعلمه الشرائع ومهده عذره بعد أن بلغ.
ورفع ذكره وهو أن قرن ذكره بذكر الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والتشهد والخطب وفي القرآن، وبأن ذكره في الكتب المتقدمة، وأخذ على الأنبياء والأمم أن يؤمنوا به. والفائدة في زيادة (لك) وإن كان المعنى يستقل بدونه، هي ما في طريقة الإبهام والإيضاح، فكأنه لما قال: (ألم نشرح لك) فهم أن ثم مشروحا، ثم قال: (صدرك) فأوضح ما كان مبهما. وكذلك قوله: و (لك ذكرك) و (عنك وزرك).
ولما ذكر سبحانه ما أنعم به على رسوله من جلائل النعم، وقد كان المشركون عيروه بالفقر حتى ظن أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم عقب ذلك بقوله: (فإن مع العسر يسرا) فكأنه قال: خولناك ما خولناك تفضلا وإنعاما فلا تيأس من فضلنا، فإن مع العسر الذي أنت فيه يسرا. وقرب " اليسر " المترقب بلفظة (مع) التي هي للصحبة، حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في تسليته وتقوية لقلبه.

(1) تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 426.
(٨٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 799 800 801 802 803 804 805 806 807 808 809 ... » »»