وعشرين ليلة لم يكن بينهم وبين المسلمين قتال إلا الرمي بالنبل والحجارة، غير أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي لهب، ونوفل بن عبد الله خرجوا على خيولهم حتى مروا ببني كنانة فقالوا: تهيأوا للحرب فستعلمون اليوم من الفرسان، ثم أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم فاقتحموا، ونادى عمرو وكان يعد بألف فارس: من يبارز؟ فقام علي (عليه السلام) وهو مقنع في الحديد فقال له: أنا له يا رسول الله، فقال: إنه عمرو، اجلس، ونادى عمرو الثانية والثالثة يقول: ألا رجل؟ أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها؟ فقام علي (عليه السلام)، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه ذا الفقار، وعممه عمامته السحاب، وقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه، ومن تحت قدميه، وتجاولا فضربه عمرو في الدرقة فقدها وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي (عليه السلام) وثارت بينهما عجاجة، فسمع علي (عليه السلام) يكبر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قتله والذي نفسي بيده، فجز علي رأسه وأقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجهه يتهلل، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشر يا علي، فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجح عملك بعملهم (1).
(إذ جاءوكم من فوقكم) من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان (ومن أسفل منكم) من أسف الوادي من قبل المغرب قريش (وإذ زاغت الأبصر) مالت عن سننها حيرة وشخوصا، وقيل: عدلت عن كل شيء فلم تلتفت