تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٣٧٤
(من بعد ما تبين لهم الهدى) وظهر لهم الحق إنما ضروا أنفسهم (1)، و (لن يضروا الله) بذلك (وسيحبط أعملهم) التي عملوها فلا يرون لها في الآخرة ثوابا.
(ولا تبطلوا أعملكم) بمعصية الله والرسول، أو: بالشك والنفاق. وعن ابن عباس: لا تبطلوها بالرياء والسمعة (2). (فلا تهنوا) أي: فلا تضعفوا ولا تتوانوا في قتال أعداء الله، (و) لا (تدعوا إلى السلم) قرئ بالفتح والكسر (3) وهما المسالمة (وأنتم الأعلون) أي: الأغلبون الأقهرون، وقيل: إن الواو للحال، أي: لا تدعوهم إلى الصلح والحال أنكم الغالبون القاهرون لهم، و (تدعوا) مجزوم لدخوله في حكم النهي كما ذكرنا، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار " أن "، (ولن يتركم أعملكم) هو من: وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو حربته (4)، وحقيقته:
أفردته من حميمه أو ماله، من الوتر وهو الفرد.
ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ومن فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " (5)، أي: أفرد عنهما قتلا ونهبا، فشبه سبحانه إضاعة عمل العامل وإبطال ثوابه بوتر الواتر، وهو من فصيح الكلام.
(وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) أي: ثواب إيمانكم وتقواكم (ولا يسئلكم أمولكم) أي: ولا يسألكم جميعها في الصدقة، وإنما أوجب عليكم الزكاة

(1) في بعض النسخ: " نفوسهم ".
(2) تفسير ابن عباس: ص 430.
(3) أي بكسر السين، وهي قراءة حمزة وعاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 601.
(4) حربه يحربه حربا: إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء، وحرب ماله أي: سلبه. (الصحاح: مادة حرب).
(5) أخرجه مالك في الموطأ: ج 1 ص 12 ح 21، وابن ماجة في السنن: ج 1 ص 224 ح 685 بإسنادهما إلى ابن عمر.
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»