تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ١٧٢
وقرئ: " ماذا تري " (1) بضم التاء وكسر الراء، معناه: أجلدا تري على ما تحمل عليه أم خورا؟ (افعل ما تؤمر) أي: ما تؤمر به، فحذف الجار كما حذف من قولهم:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به (2).
أو: " أمرك " على إضافة المصدر إلى المفعول، وتسمية المأمور به أمرا.
وقرأ علي (عليه السلام) وابن عباس: " سلما "، يقال: سلم لأمر الله وأسلم واستسلم: إذا انقاد وخضع، وحقيقة معناه: أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له وخالصة. وعن قتادة في (أسلما): أسلم هذا ابنه، وأسلم هذا نفسه (3)، وجواب " لما " محذوف، وتقديره: (فلما أسلما وتله للجبين، وندينه أن يإبراهيم قد صدقت الرءيآ) كان ما كان مما لا يحيط به الوصف من شكرهما لله على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله، وما فازا به من رضوان الله واكتساب الثواب والأعواض الجليلة، والتل: الصرع، يقال: وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه فيلحقه رقة الآباء. (قد صدقت الرؤيا) أي: فعلت ما أمرت به في الرؤيا.
وقوله: (إنا كذلك نجزى المحسنين) تعليل لتخويل ما خولهما الله من الفرج بعد الشدة. (إن هذا لهو البلؤا المبين) أي: الامتحان الظاهر والمحنة الصعبة التي لا محنة أصعب منها، أو: الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم.
(وفدينه بذبح) وهو المهيأ لأن يذبح (عظيم) ضخم الجثة سمين، والمفتدى

(1) قرأه حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 637.
(2) وعجزه: فقد تركتك ذا مال وذا نسب. لعباس بن مرداس السلمي، وقيل: لعمرو بن معديكرب، وقيل لخفاف بن ندبة وقيل لغيرهم. تقدم شرح البيت في ج 2 ص من سورة الحجر آية: 94 فراجع.
(3) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 55.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»