تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٧
غفره ربي لي من الذنوب، ويجوز أن تكون استفهامية أي: بأي شيء غفر لي؟
يريد ما كان منه معهم من المصابرة على الجهاد في إعزاز دين الله حتى قتل، إلا أنه على هذا الوجه " بم غفر لي " بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزا.
(وما أنزلنا على قومه من) بعد قتله (من جند) أي: لم تنزل لإهلاكهم جندا من جنود السماء كما فعلنا يوم بدر (وما كنا) منزليهم على الأمم إذ أهلكناهم.
(إن كانت إلا صيحة وحدة) أي: لم تكن مهلكتهم عن آخرهم إلا بأيسر أمر (صيحة وحدة) أخذ جبرائيل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة فماتوا من آخرهم، لا يسمع لهم حس، كالنار إذا طفئت. وكأنه قال عز اسمه: إن إنزال الجنود من السماء من عزائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك يا محمد، حيث أنزلوا يوم بدر والخندق وما كنا نفعله بغيرك. وقرئ: " إلا صيحة " بالرفع (1) على " كان " التامة، أي: ما وقعت إلا صيحة، والقياس التذكير؛ لأن المعنى: ما وقع شيء إلا صيحة، ولكن جوز ذلك لأن " الصيحة " في حكم فاعل الفعل، ومثله بيت ذي الرمة:
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع (2) والقراءة بالنصب على معنى: إن كانت الأخذة أو العقوبة إلا صيحة.
(يا حسرة على العباد) نوديت الحسرة كأنها قيل لها: تعال يا حسرة فهذا من أوقاتك التي حقك أن تحضري فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل، والمعنى:
أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، أو: هم متحسر عليهم من جهة الملائكة

(١) وهي قراءة أبي جعفر كما في شواذ القرآن لابن خالويه: ص 125.
(2) وصدره: طوى النحز والأجراز ما في غروضها. والبيت من قصيدة طويلة يصف ناقة له.
راجع ديوان ذي الرمة: ص 447.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»