تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٦
وما كنا منزلين (28) إن كانت إلا صيحة وا حدة فإذا هم خمدون (29) يحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به ى يستهزءون (30)) أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم تلطفا لهم، فكأنه قال: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟ ألا ترى إلى قوله: (وإليه ترجعون) ولم يقل: وإليه أرجع، ثم ساق كلامه ذلك المساق إلى أن قال: (إني آمنت بربكم فاسمعون) يريد: فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبهتكم على الحق الصريح والدين الصحيح الذي لا محيص عنه، وهو أن العبادة لا تصح إلا لمن أنشأ خلقكم (1) وأوجدكم وإليه مرجعكم، ومن أنكر الأشياء في العقل أن تؤثروا على عبادته عبادة أشياء، إن أرادكم هو (بضر) وشفع لكم هؤلاء لم ينفعكم شفاعتهم ولم يقدروا على إنقاذكم، إنكم في هذا الاختيار لواقعون (في ضلال) ظاهر بين لا يخفى على ذي حجى.
ثم إن قومه لما سمعوا منه ذلك القول وطؤوه بأرجلهم حتى مات، فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق، وذلك قوله: (قيل ادخل الجنة)، وقيل: إنهم قتلوه على أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة، فلما دخلها (قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربى) (2) تمنى أن يعلم قومه ما أعطاه الله تعالى من المغفرة وجزيل الثواب ليرغبوا في مثله، ويؤمنوا لينالوا ذلك. وورد في حديث مرفوع: " أنه نصح قومه حيا وميتا " (3).
و " ما " في (بما غفر لي) مصدرية أو موصولة، أي: بمغفرة ربي لي، أو: بالذي

(١) في بعض النسخ: " أنشأكم ".
(٢) قاله ابن مسعود ومجاهد. راجع تفسير ابن كثير: ج ٣ ص ٥٤٧.
(3) أورده الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 11.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»