مقاصدهم كما كانوا يستبقون إليه ساعين في متصرفاتهم لم يقدروا، فكيف (يبصرون) ويعلمون جهة السلوك وقد أعميناهم؟
والمكانة والمكان واحد، كالمقامة والمقام. وقرئ (على مكانتهم) و " مكاناتهم " (١) على التوحيد والجمع، أي: لمسخناهم مسخا يجمدهم على مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه، بمضي ولا رجوع بأن يجعلهم حجارة، وقيل:
لمسخناهم قردة وخنازير في منازلهم فلا يستطيعون (مضيا) عن العذاب ولا رجوعا إلى الخلقة الأولى بعد المسخ (٢).
(ومن نعمره ننكسه) (٣) أي: نقلبه في الخلق فنخلقه على عكس ما خلقناه قبل، إذ كان يتزايد في القوة والعقل والعلم إلى أن استكمل قوته وبلغ أشده، وإذا انتهى نكسناه في الخلق، فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد وقلة العقل والعلم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله، كما قال: ﴿ثم رددناه أسفل سافلين﴾ (٤) ثم ﴿يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا﴾ (5) وقرئ: " ننكسه " من التنكيس.
(وما علمناه) بتعليم القرآن (الشعر) ومعناه: أن القرآن ليس بشعر، ولا مناسبة بينه وبين الشعر، لأن الشعر كلام موزون مقفى، وليس القرآن منه في شيء (وما ينبغى له) أي: وما يصح له، وما ينطلب لو طلب، فلو أراد أن يقول الشعر لم يتأت له ولم يتسهل، حتى لو تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرا،