الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٦
إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
____________________
مقعد القابلة ومقعد الإزار، قال ذو الرمة * والموت أدنى لي من الوريد * والحبل: العرق شبه بواحد الحبال، ألا ترى إلى قوله * كأن وريديه رشا آخلب * والوريدان: عرقان مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمهما متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه. وقيل سمى وريدا لأن الروح ترده. فإن قلت: ما وجه إضافة الحبل إلى الوريد والشئ لا يضاف إلى نفسه؟ قلت: في وجهان: أحدهما أن تكون الإضافة للبيان كقولهم بعير سانية.
والثاني أن يراد حبل العاتق فيضاف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد كما لو قيل حبل العلياء مثلا (إذ) منصوب بأقرب، وساغ ذلك لأن المعاني تعمل في الظرف متقدمة ومتأخرة، والمعنى، أنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس وما لا شئ أخفى منه، وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به إيذانا بأن استحفاظ الملكين أمر هو غنى عنه، وكيف لا يستغنى عنه وهو مطلع على أخفى الخفيان، وإنما ذلك لحكمة اقتضت ذلك وهى ما في كتبة الملكين وحفظهما وعرض صحائف العمل يوم يقوم الأشهاد، وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطة الله بعمله من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إن مقعد ملكيك على ثنيتيك، ولسان قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجرى فيما لا يعنيك لا تستحى من الله تعالى ولا منهما " ويجوز أن يكون تلقى الملكين بيانا للقرب: يعنى ونحن قريبون منه مطلعون على أحواله مهيمنون عليه إذ حفظتنا وكتبتنا موكلون به. والتلقي، التلقن بالحفظ والكتبة. والقعيد:
المقاعد كالجليس بمعنى المجالس، وتقديره: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين، فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه كقوله * كنت منه ووالدي بريا * (رقيب) ملك يرقب عمله (عتيد) حاضر. واختلف فيما يكتب الملكان فقيل يكتبان كل شئ حتى أنينه في مرضه، وقيل لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر به، ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام " كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمين
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»