الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٤
فقال الكافرون هذا شئ عجيب. أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد. قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ. بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج. أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج.
تبصرة وذكرى لكل عبد منيب. ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد.
____________________
البعث، مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما، وعلى اختراع كل شئ وإبداعه، وإقرارهم بالنشأة الأولى، ومع شهادة العقل بأنه لابد من الجزاء. ثم عول على أحد الإنكارين بقوله تعالى (فقال الكافرون هذا شئ عجيب أئذا متنا) دلالة على أن تعجبهم من البعث أدخل في الاستبعاد وأحق بالانكار، ووضع الكافرون موضع الضمير للشهادة على أنهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم، وهذا إشارة إلى الرجع، وإذا منصوب بمضمر معناه: أحين نموت ونبلى نرجع (ذلك رجع بعيد) مستبعد مستنكر كقولك هذا قول بعيد وقد أبعد فلان في قوله ومعناه بعيد من الوهم والعادة. ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب، ويكون من كلام الله تعالى استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث والوقف قبله على هذا التفسير حسن وقرئ إذا متنا على لفظ الخبر ومعناه: إذا متنا بعد أن نرجع والدال عليه ذلك رجع بعيد. فإن قلت: فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع؟ قلت: ما دل عليه المنذر من المنذر به وهو البعث (قد علمنا) رد لاستبعادهم الرجع، لأن من لطف علمه حتى تغلغل إلى ما تنقص الأرض من أجساد الموتى وتأكله من لحومهم وعظامهم كان قادرا على رجعهم أحياء كما كانوا. عن النبي صلى الله عليه وسلم " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب وعن السدى: ما تنقص الأرض منهم ما يموت فيدفن في الأرض منهم (كتاب حفيظ) محفوظ من الشياطين ومن التغير وهو اللوح المحفوظ، أو حافظ لما أودعه وكتب فيه (بل كذبوا) إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات في أول وهلة من غير تفكر ولا تدبر (فهم في أمر مريج) مضطرب، يقال مرج الخاتم في أصبعه وجرج، فيقولون تارة شاعر وتارة ساحر وتارة كاهن لا يثبتون على شئ واحد. وقرئ لما جاءهم بكسر اللام وما المصدرية واللام هي التي في قولهم لخمس خلون: أي عند مجيئه إياهم. وقيل الحق القرآن، وقيل الإخبار بالبعث (أفلم ينظروا) حين كفروا بالبعث إلى آثار قدرة الله في خلق العالم (بنيناها) رفعناها بغير عمد (من فروج) من فتوق: يعنى أنها ملساء سليمة من العيوب لأفتق فيها ولا صدع ولا خلل كقوله تعالى - هل ترى من فطور - (مددناها) دحوناها (رواسي) جبالا ثوابت لولا هي لتكفأت (من كل زوج) من كل صنف (بهيج) يبتهج به لحسنه (تبصرة وذكرى) لتبصر به وتذكر كل (عبد منيب) راجع إلى ربه مفكر في بدائع خلقه. وقرئ تبصرة وذكرى بالرفع: أي خلقها تبصرة (ماء مباركا) كثير المنافع (وحب الحصيد) وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد وهو ما يقتات به من نحو
(٤)
مفاتيح البحث: الزوج، الزواج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»