الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٥
والنخل باسقات لها طلع نضيد. رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج. كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود. وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد. أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد. ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.
____________________
الحنطة والشعير وغيرهما (باسقات) طوالا في السماء، وفى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم باصقات بإبدال السين صادا لأجل القاف (نضيد) منضود بعضه فوق بعض، إما أن يراد كثرة الطلع وتراكمه أو كثرة ما فيه من الثمر (رزقا) على أنبتناها رزقا لأن الإنبات في معنى الرزق، أو على أنه مفعول له: أي أنبتناها لنرزقهم (كذلك الخروج) كما حييت هذه البلدة الميتة كذلك تخرجون أحياء بعد موتكم، والكاف في محل الرفع على الابتداء.
أراد بفرعون قومه كقوله تعالى - من فرعون وملئهم - لأن المعطوف عليه قوم نوح والمعطوفات جماعات (كل) يجوز أن يراد به كل واحد منهم، وأن يراد جميعهم إلا أنه وحد الضمير الراجع إليه على اللفظ دون المعنى (فحق وعيد) فوجب وحل وعيدى، وهو كلمة العذاب، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم. عيى بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله، والهمزة للإنكار، والمعنى: أنا لم نعجز كما علموا عن الخلق الأول حتى نعجز عن الثاني، ثم قال: هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول واعترافهم بذلك في طية الاعتراف بالقدرة على الإعادة (بل هم في لبس) أي في خلط وشبهة قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم، ومنه قول علي رضي الله عنه: يا حار إنه لملبوس عليك اعرف الحق تعرف أهله، ولبس الشيطان عليهم تسويله إليهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة، فتركوا لذلك القياس الصحيح أن من قدر على الانشاء كان على الإعادة أقدر. فإن قلت: لم نكر الخلق الجديد وهلا عرف كما عرف الخلق الأول؟ قلت: قصد في تنكيره إلى خلق جديد له شأن عظيم وحال شديدة حق من سمع به أن يهتم به ويخاف ويبحث عنه ولا يقعد على لبس في مثله. الوسوسة: الصوت الخفي ومنها وسواس الحلى، ووسوسة النفس: ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس. والباء مثلها في قولك صوت بكذا وهمس به، ويجوز أن تكون للتعدية والضمير للإنسان: أي ما تجعله موسوسا وما مصدرية لأنهم يقولون حدث نفسه بكذا كما يقولون حدثته به نفسه، قال: * وأكذب النفس إذا حدثتها * (ونحن أقرب إليه) مجاز، والمراد قرب علمه منه وأنه يتعلق بمعلومه منه ومن أحواله تعلقا لا يخفى عليه شئ من خفياته فكأن ذاته قريبة منه، كما يقال الله في كل مكان وقد جل عن الأمكنة. وحبل الوريد مثل في فرط القرب كقولهم هو منى
(٥)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»