الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٧
وفى السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون.
هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذا دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون.
____________________
استرخى أناخ الذل - فتبارك الله أحسن الخالقين - (وفى السماء رزقكم) هو المطر لأنه سبب الأقوات. وعن سعيد ابن جبير: هو الثلج وكل عين دائمة منه. وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه لخطاياكم (وما توعدون) الجنة هي على ظهر السماء السابعة تحت العرش، أو أراد أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدون به في العقبى كله مقدر مكتوب في السماء. قرئ مثل ما بالرفع صفة للحق: أي حق مثل نطقكم، وبالنصب على أنه لحق حقا مثل نطقكم. ويجوز أن يكون فتحا لإضافته إلى غير متمكن وما مزيدة بنص الخليل، وهذا كقول الناس: إن هذا لحق كما أنك ترى وتسمع ومثل ما إنك ههنا، وهذا الضمير إشارة إلى ما ذكر من أمر الآيات والرزق وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى ما توعدون. وعن الأصمعي: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بنى أصمع، قال: من أين أقبلت؟
قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، فقال: أتل على فتلوت - والذاريات - فلما بلغت قوله - وفى السماء رزقكم - قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف، فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت دقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر، فسلم على واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا فقرأت - فورب السماء والأرض إنه لحق - فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى أجلؤوه إلى اليمين، قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه (هل أتاك) تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما عرفه بالوحي. والضيف للواحد والجماعة كالزور والصوم لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثنى عشر ملكا، وقيل تسعة عاشرهم جبريل، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وملك معهما، وجعلهم ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم، أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. وإكرامهم أن إبراهيم خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى، أو أنهم في أنفسهم مكرمون، قال الله تعالى - بل عباد مكرمون - (إذا دخلوا) نصب بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم وإلا فبما في ضيف من معنى الفعل أو بإضمار أذكر (سلاما) مصدر ساد مسد الفعل مستغنى به عنه وأصله نسلم عليكم سلاما. وأما (سلام) فمعدول به إلى الرفع على الابتداء، وخبره محذوف معناه: عليكم سلام للدلالة على ثبات السلام كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به أخذا بأدب الله تعالى، وهذا أيضا من إكرامه لهم. وقرئا مرفوعين، وقرئ سلاما قال سلما والسلم السلام، وقرئ سلاما قال سلم (قوم منكرون) أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام، أو أراد أنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم، كما لو أبصر العرب قوما من الخزر أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم، أو كان هذا سؤالا لهم كأنه قال: أنتم قوم منكرون
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»