الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٨
كل كفار عنيد. مناع للخير معتد مريب. الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد. قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد. قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد.
____________________
السابقين السائق والشهيد، ويجوز أن يكون خطابا للواحد على وجهين: أحدهما قول المبرد إن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما كأنه قيل ألق ألق للتأكيد. والثاني أن العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان فكثر على ألسنتهم أن يقولوا خليلي وصاحبي وقفا وأسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين. عن الحجاج: أنه كان يقول: يا حرسي اضربا عنقه. وقرأ الحسن ألقين بالنون الخفيفة، ويجوز أن تكون الألف في ألقيا بدلا من النون إجراء للوصل مجرى الوقف (عنيد) معاند مجانب للحق معاد لأهله (مناع للخير) كثير المنع للمال على حقوقه، جعل ذلك عادة له لا يبذل منه شيئا قط أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله يحول بينه وبينهم. قيل نزلت في الوليد بن المغيرة كان يمنع بنى أخيه من الإسلام وكان يقول: من دخل معكم فيه لم أنفعه بخير ما عشت (معتد) ظالم متخط للحق (مريب) شاك في الله وفى دينه (الذي جعل) مبتدأ مضمن معنى الشرط ولذلك أجيب بالفاء.
ويجوز أن يكون الذي جعل منصوبا بدلا من كل كفار ويكون (فألقياه) تكريرا للتوكيد. فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون. فإن قلت: فأين التقاول ههنا؟ قلت: لما قال قرينه - هذا ما لدي عتيد - وتبعه قوله - قال قرينه ربنا ما أطغيته - وتلاه - لا تختصموا لدى - علم أن ثم مقاولة من الكافر لكنها طرحت لما يدل عليها كأنه قال: رب هو أطغاني، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته. وأما الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول: أعني محبئ كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له (ما أطغيته) ما جعلته طاغيا وما أوقعته في الطغيان. ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى - وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي - قال (لا تختصموا) استئناف مثل قوله قال قرينه كأن قائلا قال: فماذا قال الله؟ فقيل قال لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فما تركت لكم حجة على.
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»