الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٧٨
فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا. إن الإنسان لربه لكنود. وإنه على ذلك لشهيد. وإنه لحب الخير لشديد. أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور.
وحصل ما في الصدور. إن ربهم بهم يومئذ لخبير.
____________________
انتصب به ضبحا (فالمغيرات) تغير على العدو (صبحا) في وقت الصبح (فأثرن به نقعا) فهيجنا بذلك الوقت غبارا (فوسطن به) بذلك الوقت أو بالنقع: أي وسطن النقع الجمع، أو فوسطن ملتبسات به (جمعا) مع جموع الأعداء ووسطه بمعنى توسطه. وقيل الضمير لمكان الغارة، وقيل للعدو الذي دل عليه والعاديات، ويجوز أن يراد بالنقع الصياح من قوله عليه الصلاة والسلام " ما لم يكن نقع ولا لقلقة " وقول لبيد * فمتى ينقع صراخ صادق * أي فهيجن في المغار عليهم صياحا وجلبة، وقرأ أبو حياة فأثرن بالتشديد بمعنى فأظهرن به غبارا لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن وقلب الواو همزة، وقرئ فوسطن بالتشديد للتعدية والباء مزيدة للتوكيد كقوله - وأتوا به - وهي مبالغة في وسطن. وعن ابن عباس: كنت جالسا في الحجر، فجاء رجل فسألني عن العاديات ضبحا ففسرتها بالخيل، فذهب إلى علي وهو تحت سقاية زمزم فسأله وذكر له ما قلت، فقال: ادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به؟ والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد. العاديات ضبحا: الإبل من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، فإن صحت الرواية فقد أستعير الضبح للإبل كما أستعير المشافر والحافر للإنسان والشفتان للمهر والثفر للثورة وما أشبه ذلك. وقيل الضبح لا يكون إلا للفرس والكلب والثعلب. وقيل الضبح بمعنى الضبع، يقال ضبحت الإبل وضبعت إذا مدت أضباعها في السير وليس بثبت. وجمع هو المزدلفة. فإن قلت: علام عطف فأثرن؟ قلت:
على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه لأن المعنى: واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن. الكنود: الكفور، وكند النعمة كنودا ومنه سمي كندة لأنه كند أباه ففارقه. وعن الكلبي: الكنود بلسان كندة العاصي، وبلسان بني مالك البخيل، وبلسان مضر وربيعة الكفور: يعني أنه لنعمة ربه خصوصا لشديد الكفران، لأن تفريطه في شكر نعمة غير الله تفريط قريب لمقاربة النعمة، لأن أجل ما أنعم به على الإنسان من مثله نعمة أبويه، ثم إن عظماها في جنب أدنى نعمة الله قليلة ضئيلة (وإنه) وإن الإنسان (على ذلك) على كنوده (لشهيد) يشهد على نفسه ولا يقدر أن يجحد لظهور أمره. وقيل وإن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد (الخير) المال من قوله تعالى - إن ترك خيرا - والشديد: البخيل الممسك، يقال فلان شديد ومتشدد، قال طرفة:
(٢٧٨)
مفاتيح البحث: القبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»