الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٨١
كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين. لترون الجحيم. ثم لترونها عين اليقين. ثم لتسألن يومئذ عن النعيم.
____________________
وهؤلاء نحن أكثر. روي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا، فكثرهم بنو عبد مناف، فقالت بنو سهم: إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات فكثرتهم بنو سهم، والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات. عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكما بهم. وقيل كانوا يزورون المقابر فيقولون هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم، والمعنى: ألهاكم ذلك وهو مما لا يعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم، أو أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها إلى أن أتاكم الموت، لا هم لكم غيرها عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم، وزيارة القبور عبارة عن الموت، قال:
لن يخلص العام خليل عشرا * ذاق الضماد أو يزور القبرا وقال: زار القبور أبو مالك * فأصبح ألأم زوارها وقرأ ابن عباس أألهاكم على الاستفهام الذي معناه التقرير (كلا) ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميل همه ولا يهتم بدينه (سوف تعلمون) إنذار ليخافوا فينتبهوا عن غفلتهم. والتكرير تأكيد للردع والإنذار عليهم، و (ثم) دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول وأشد كما تقول للمنصوح أقول لك ثم أقول لك لا تفعل، والمعنى: سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله، وأن هذا التنبيه نصيحة لكم ورحمة عليكم. ثم كرر التنبيه أيضا وقال (لو تعلمون) محذوف الجواب: يعني لو تعلمون ما بين أيديكم على الأمر اليقين: أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعلمها هممكم لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ولكنكم ضلال جهلة، ثم قال (لترون الجحيم) فبين لهم ما أنذرهم منه وأوعدهم به، وقد مر ما في إيضاح الشئ بعد إبهامه من تفخيمه وتعظيمه، وهو جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد، وأما ما أوعدوا به ما لا مدخل فيه للريب، وكرره معطوفا بثم تغليظا في التهديد وزيادة في التهويل. وقرئ لترؤن بالهمز وهي مستكرهة. فإن قلت: لم استكرهت والواو المضمومة قبلها همزة قياس مطرد؟ قلت: ذاك في الواو التي ضمتها لازمة وهذه عارضة لالتقاء الساكنين. وقرئ لترون ولترونها على البناء للمفعول (عين اليقين) أي الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته. ويجوز أن يراد بالرؤية العلم والإبصار (عن النعيم) عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه. فإن قلت: ما النعيم الذي يسئل عنه الإنسان ويعاتب عليه، فما من أحد إلا وله نعيم؟ قلت: هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل نفسه مشاقهما، فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده وتقوى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل وكان ناهضا بالشكر فهو من ذاك بمعزل، وإليه أشار رسول الله
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»