____________________
جنسا أو علما، فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين، وإن كان علما فأين الإعراب؟ وأيهما كان فلابد له من موقع في تأليف الكلام. فإن قلت: هو مقسم به وجب إن كان جنسا أن تجره وتنونه ويكون القسم بداوة منكرة مجهولة كأنه قيل ودواة والقلم، وإن كان علما أن تصرفه وتجره أو لا تصرفه وتفتحه للعلمية والتأنيث، وكذلك التفسير بالحوت إما أن يراد نون من النينان أو يجعل علما للبهموت الذي يزعمون والتفسير باللوح من نور أو ذهب والنهر في الجنة نحو ذلك. وأقسم بالقلم تعظيما له لما في خلقه وتسويته من الدلالة على الحكمة العظيمة ولما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف (وما يسطرون) وما يكتب من كتب، وقيل ما يسطره الحفظة وما موصولة أو مصدرية، ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه فيكون الضمير في يسطرون لهم كأنه قيل وأصحاب القلم ومسطوراتهم أو وسطرهم، ويراد بهم كل من يسطر أو الحفظة. فإن قلت: بم يتعلق الباء في (بنعمة ربك) وما محله؟ قلت: يتعلق بمجنون منفيا كما يتعلق بعاقل مثبتا في قولك أنت بنعمة الله عاقل مستويا في ذلك الإثبات والنفي استواءهما في قولك ضرب زيد عمرا وما ضرب زيد عمرا، تعمل الفعل مثبتا ومنفيا إعمالا واحدا ومحله النصب على الحال كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي، والمعنى: استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسدا، وأنه من إنعام الله عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوة بمنزلة (وإن لك) على احتمال ذلك وإساغة الغصة فيه والصبر عليه (لأجرا) لثوابا (غير ممنون) غير مقطوع كقوله - عطاء غير مجذوذ - أو غير ممنون عليك به لأنه ثواب تستوجبه على عملك وليس بتفضل ابتداء وإنما تمن الفواضل لا الأجور على الأعمال. استعظم خلقه لفرط احتماله الممضات من قومه وحسن مخالقته ومداراته لهم. وقيل هو الخلق الذي أمره الله تعالى به في قوله تعالى - خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين - وعن عائشة - رضي الله عنها " أن سعيد بن هشام سألها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالت: كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن - قد أفلح المؤمنون - " (المفتون) المجنون لأنه فتن: أي محن بالجنون، أو لأن العرب يزعمون أنه من تخييل الجن وهم الفتان للفتاك منهم، والباء مزيدة أو المفتون مصدر كالمعقول والمجلود: أي بأيكم الجنون أو بأي الفريقين منكم أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين: أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم وهو تعريض بأبي جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهذا كقوله تعالى