الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٤٤
إذ أقسموا ليصر منها مصبحين ولا يستثنون. فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون.
فأصبحت كالصريم. فتنادوا مصبحين. أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين.
فانطلقوا وهم يتخافتون. ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. وغدوا على حرد قادرين.
____________________
الأكداس وما أخطأه القطاف من العنب وما بقى على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شئ كثير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا ليصر منها مصبحين في السدف خفية عن المساكين ولم يستثنوا في يمينهم فأحرق الله جنتهم. وقيل كانوا من بني إسرائيل (مصبحين) داخلين في الصبح مبكرين (ولا يستثنون) ولا يقولون إن شاء الله. فإن قلت: لم سمى استثناء وإنما هو شرط؟ قلت: لأنه يؤدى مؤدى الاستثناء من حيث إن معنى قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد (فطاف عليها) بلاء أو هلاك (طائف) كقوله تعالى - وأحيط بثمره - وقرئ طيف (فأصبحت كالصريم) كالمصرومة لهلاك ثمرها، وقيل الصريم الليل: أي احترقت فاسودت، وقيل النهار: أي يبست وذهبت خضرتها أو لم يبق شئ فيها من قولهم بيض الإناء إذا فرغه، وقيل الصريم الرمال (صارمين) حاصدين.
فإن قلت: هلا قيل اغدوا إلى حرثكم وما معنى على؟ قلت: لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوا عليه كما تقول غدا عليهم العدو، ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال كقولهم يغدى عليه بالجفنة ويراح: أي فأقبلوا على حرثكم باكرين (يتخافتون) يتسارون فيما بينهم وخفى وخفت وخفد ثلاثتها في معنى الكتم منه الخفدود للخفاش (أن لا يدخلنها) أن مفسرة، وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول: أي يتخافتون يقولون لا يدخلنها، والنهى عن الدخول للمسكين نهى لهم عن تمكينه منه: أي لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل كقولك لا أرينك ههنا. الحرد من حاردت السنة إذا منعت خيرها، وحاردت الإبل إذا منعت درها، والمعنى: وغدوا قادرين على نكد لا غير عاجزين عن النفع: يعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم، فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة، أو وغدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها قادرين بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها ومنافعها: أي غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا عن حرد، و (قادرين) من عكس الكلام للتهكم: أي قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين وعلى حرد ليس بصلة قادرين. وقيل الحرد
(١٤٤)
مفاتيح البحث: النوم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»