الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٢٨
منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا. يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد
____________________
المؤمنين، ونصرة الله تعالى لي أعظم وأعظم. قلت: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى لفضلهم على جميع خلقه. وقرئ تظاهرا وتتظاهرا وتظهرا. قرئ يبدله بالتخفيف والتشديد للكثرة (مسلمات مؤمنات) مقرات مخلصات (سائحات) صائمات، وقرئ سيحات وهى أبلغ، وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجئ وقت إفطاره. وقيل سائحات مهاجرات. وعن زيد بن أسلم: لم تكن في هذه الأمة سياحة إلا الهجرة. فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيرا منهن ولم تكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟
قلت: إذا طلقهن رسول الله لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن، وقد عرض بذلك في قوله - قانتات - لأن القنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله. فإن قلت: لم أخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت: لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بد من الواو (قوا أنفسكم) بترك المعاصي وفعل الطاعات (وأهليكم) بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم وفى الحديث " رحم الله رجلا قال: يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم، لعل الله يجمعهم معه في الجنة " وقيل إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله. وقرئ وأهلوكم عطفا على وأوقوا وحسن العطف للفاصل. فإن قلت: أليس التقدير قو أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم؟ قلت:
لا ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده، فكأنه قيل قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب (نارا وقودها الناس والحجارة) نوعا من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة كما يتقد غيرها من النيران بالحطب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي حجارة الكبريت وهى أشد الأشياء حرا إذا أوقد عليها. وقرئ وقودها بالضم: أي ذو وقودها (عليها) يلي أمرها وتعذيب أهلها (ملائكة) يعنى الزبانية التسعة عشر وأعوانهم (غلاظ شداد) في أجرامهم غلظة وشدة: أي
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»