الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٣٢
ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين.
____________________
بقولها في الجنة، أو أرادت ارتفاع الدرجة في الجنة وأن تكون جنتها من الجنان التي هي أقرب إلى العرش وهى جنات المأوى، فعبرت عن القرب إلى العرش بقولها عندك (من فرعون وعمله) من عمل فرعون، أو من نفس فرعون الخبيثة وسلطانه الغشوم، وخصوصا من عمله وهو الكفر وعبادة الأصنام والظلم والتعذيب بغير جرم (ونجني من القوم الظالمين) من القبط كلهم، وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين - فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين - ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين - (فيه) في الفرج، وقرأ ابن مسعود فيها كما قرئ في سورة الأنبياء، والضمير للجملة وقد مر لي في هذا الظرف كلام، ومن بدع التفاسير أن الفرج هو جيب الدرع، ومعنى أحصنته: منعته جبريل وأنه جمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييبا لأنفسهن (وصدقت) قرئ بالتشديد والتخفيف على أنها جعلت الكلمات والكتب صادقة يعنى وصفتها بالصدق وهو معنى التصديق بعينه. فإن قلت: فما كلمات الله وكتبه؟ قلت: يجوز أن يراد بكلماته صحفه التي أنزلها على إدريس وغيره سماها كلمات لقصرها، وبكتبه الكتب الأربعة، وأن يراد جميع ما كلم الله به ملائكته وغيرهم، وجميع ما كتبه في اللوح وغيره، وقرئ بكلمة الله وكتابه أي بعيسى وبالكتاب المنزل عليه وهو الإنجيل فإن قلت: لم قيل (من القانتين) على التذكير؟ قلت: لأن القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه ومن للتبعيض. ويجوز أن يكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله عليهما. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع:
آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»