الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦٣
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.
____________________
ليتقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال، وقيل كانت تضرب بإحدى رجليها الأخرى ليعلم أنها ذات خلخالين وإذا نهين عن إظهار صوت الحلى بعد ما نهين عن إظهار الحلى علم بذلك أن النهى عن إظهار مواضع الحلى أبلغ وأبلغ. أوامر الله ونواهيه في كل باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها وإن ضبط نفسه واجتهد ولا يخلو من تقصير يقع منه فلذلك وصى المؤمنين جميعا بالتوبة والاستغفار وبتأميل الفلاح إذا تابوا واستغفروا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة. فإن قلت: قد صحت التوبة بالاسلام والاسلام يجب ما قبله فما معنى هذه التوبة. قلت: أراد بها ما يقوله العلماء إن من أذنب ذنبا ثم تاب عنه يلزمه كلما تذكره أن يجدد عنه التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه إلى أن يلقى ربه. وقرئ أيه المؤمنون بضم الهاء. ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها (الأيامى) واليتامى أصلهما أيائم ويتأئم فقلبا، والأيم للرجل والمرأة، وقد آم وآمت وتأيما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين، قال:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي * وإن كنت أفتى منكم أتأيم وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم إنا نعوذ بك من العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم " والمراد أنكحوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر ومن كان فيه صلاح من غلمانكم وجواريكم، وقرئ من عبيدكم وهذا الامر للندب لما علم من أن النكاح أمر مندوب إليه، وقد يكون للوجوب في حق الأولياء عند طلب المرأة ذلك.
وعند أصحاب الظواهر النكاح واجب، ومما يدل على كونه مندوبا إليه قوله صلى الله عليه وسلم " من أحب فطرتي فليستتن بسنتي وهى النكاح " وعنه عليه الصلاة والسلام " من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا " وعنه عليه الصلاة والسلام " إذا تزوج أحدكم عج شيطانه: يا ويله عصم ابن آدم منى ثلثي دينه " وعنه عليه الصلاة والسلام " يا عياض لاتزوجن عجوزا ولا عاقرا فإني مكاثرا " والأحاديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار كثيرة وربما كان واجب الترك إذا أدى إلى معصية أو مفسدة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال " وفى الحديث " يأتي على الناس زمان لا تنال فيه لمعيشة إلا بالمعصية، فإذا كان ذلك في الزمان حلت العزوبة ". فإن قلت: لم خص الصالحين. قلت: ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم، ولان الصالحين من الأرقاء هم الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم منزلة
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»