الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٣٦
طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم. فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول.
____________________
الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه (طاعة وقول معروف) كلام مستأنف: أي طاعة وقول معروف خير لهم. وقيل هي حكاية قولهم: أي قالوا طاعة وقول معروف أمرنا طاعة وقول معروف، وتشهد له قراءة أبى يقولون طاعة وقول معروف (فإذا عزم الأمر) أي جد والعزم والجد لأصحاب الأمر وإنما يسندان إلى الأمر إسنادا مجازيا ومنه قوله تعالى - إن ذلك لمن عزم الأمور - (فلو صدقوا الله) فيما زعموا من الحرص على الجهاد، أو فلو صدقوا في إيمانهم وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم. عسيت وعسيتم لغة أهل الحجاز، وأما بنو تميم فيقولون عسى أن تفعل وعسى أن تفعلوا ولا يلحقون الضمائر. وقرأ نافع بكسر السين وهو غريب، وقد نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في التوكيد. فإن قلت: ما معنى فهل عسيتم أن تفسدوا في الأرض؟ قلت: معناه هل يتوقع منكم الإفساد.
فإن قلت: فكيف يصح هذا في كلام الله عز وعلا وهو عالم بما كان وما يكون؟ قلت: معناه إنكم لما عهد منكم أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان: يا هؤلاء ما ترون هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم لما تبين منكم من الشواهد ولاح من المخايل (أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) تناحرا على الملك وتهالكا على الدنيا. وقيل إن أعرضتم وتوليتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضا ووأد البنات. وقرئ وليتم. وفى قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنهم توليتم: أي إن تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم. وقرئ وتقطعوا وتقطعوا من التقطيع والتقطع (أولئك) إشارة إلى المذكورين (لعنهم الله) لإفسادهم وقطعهم الأرحام فمنعهم ألطافه وخذلهم حتى صموا على استماع الموعظة وعموا عن إبصار طريق الهدى. ويجوز أن يريد بالذين آمنوا المؤمنين الخلص الثابتين، وأنهم يتشوقون إلى الوحي إذا أبطأ عليهم، فإذا نزلت سورة في معنى الجهاد رأيت المنافقين فيما بينهم يضجرون منها (أفلا تدبرون القرآن) ويتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة حتى لا يجسروا على المعاصي، ثم قال (أم على قلوب أقفالها) وأم بمعنى بل، وهمزة التقرير للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكر. وعن قتادة: إذن والله يجدوا في القرآن زاجرا عن معصية الله لو تدبروه ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا. فإن قلت: لم نكرت القلوب وأضيفت الأقفال إليها؟ قلت: أما التنكير ففيه وجهان: أن يراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك، أو يراد على بعض القلوب وهى قلوب المنافقين، وأما إضافة الأقفال فلأنه يريد الأقفال المختصة بها وهى أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح. وقرئ إقفالها على المصدر (الشيطان سول
(٥٣٦)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»