الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٤٧
ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا. ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا. سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا، وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا. هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله
____________________
يعنى أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب فنكصوا، وقيل أيدي أهل مكة بالصلح (ولتكون) هذه الكفة (آية للمؤمنين) وعبرة يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان وأنه ضامن نصرهم والفتح عليهم. وقيل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة في منامه ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحى، فتأخر ذلك إلى السنة القابلة فجعل فتح خيبر علامة وعنوانا لفتح مكة (ويهديكم صراطا مستقيما) ويزيدكم بصيرة ويقينا وثقة بفضل الله (وأخرى) معطوفة على هذه: أي فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى (لم تقدروا عليها) وهى ومغانم هوازن في غزوة حنين وقال: لم تقدروا عليها لما كان فيها من الجولة (قد أحاط الله بها) أي قدر عليها واستولى وأظهركم عليها وغنمكموها. ويجوز في أخرى النصب بفعل مضمر يفسره قد أحاط الله بها تقديره وقضى الله أخرى قد أحاط بها، وأما لم تقدروا عليها فصفة لأخرى والرفع على الابتداء لكونها موصوفة بلم تقدروا، وقد أحاط الله بها خبر المبتدأ والجر بإضمار رب. فإن قلت: قوله تعالى - ولتكون آية للمؤمنين - كيف موقعه؟ قلت: هو كلام معترض ومعناه: ولتكون الكفة آية للمؤمنين فعل ذلك. ويجوز أن يكون المعنى: وعدكم المغانم فعجل هذه الغنيمة وكف الأعداء لينفعكم بها ولتكون آية للمؤمنين إذا وجدوا وعد الله بها صادقا، لأن صدق الأخبار عن الغيوب معجزة وآية ويزيدكم بذلك هداية وإيقانا (ولو قاتلكم الذين كفروا) من أهل مكة ولم يصالحوا، وقيل من حلفاء أهل خيبر لغلبوا وانهزموا (سنة الله) في موضع المصدر المؤكد أي سن الله غلبة أنبيائه سنة وهو قوله تعالى - لأغلبن أنا ورسلي - (أيديهم) أيدي أهل مكة: أي قضى بينهم وبينكم المكافة والمحاجزة بعد ما خولكم الظفر عليهم والغلبة وذلك يوم الفتح، وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا، وقيل كان ذلك في غزوة الحديبية، لما روى أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هزمه وأدخله حيطان مكة. وعن ابن عباس رضي الله عنه:
أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت. وقرئ تعملون بالتاء والياء. وقرئ والهدى والهدى بتخفيف الياء وتشديدها وهو ما يهدى إلى الكعبة بالنصب عطفا على الضمير المنصوب في صدوكم: أي صدوكم وصدوا الهدى، وبالجر عطفا على المسجد الحرام بمعنى: وصدوكم عن نحر الهدى (معكوفا) أن يبلغ محله) محبوسا عن أن يبلغ، وبالرفع وصد الهدى، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره: أي يجب، وهذا دليل
(٥٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 ... » »»