الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٧٢
من محيص * فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما
____________________
قلت: أما الجزم فعلى ظاهر العطف، وأما الرفع فعلى الاستئناف، وأما النصب فللعطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون، ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى - ولنجعله آية للناس - وقوله تعالى - وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت - وأما قول الزجاج النصب على إضمار إن لأن قبلها جزاء تقول ما تصنح أصنع مثله وأكرمك، وإن شئت وأكرمك على وأنا أكرمك، وإن شئت وأكرمك جزما، ففيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه قال: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله * وألحق بالحجاز فأستريحا * فهذا يجوز وليس بحد الكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه اه‍. ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة. فإن قلت:: فكيف يصح المعنى على جزم ويعلم؟ قلت: كأنه قال:
إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور: هلاك قوم، ونجاة قوم، وتحذير آخرين (من محيص) من محيد عن عقابه.
ما الأولى ضمنت معنى الشرط فجاء الفاء على جوابها بخلاف الثانية. عن علي رضي الله عنه: اجتمع لأبى بكر رضي الله عنه مال فتصدق به كله في سبيل الله والخير، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون، فنزلت (والذين يحتنبون) عطف على الذين آمنوا وكذلك ما بعده، ومعنى (كبائر الإثم) الكبائر من هذا الجنس، وقرئ كبير الإثم. وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: كبير الإثم هو الشرك (هم يغفرون) أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول حلوم الناس والمجئ بهم وإيقاعه متدأ وإسناد يغفرون إليه لهذه الفائدة، ومثله هم ينتصرون (والذين استجابوا لربهم) نزلت في الأنصار دعاهم الله عز وجل للإيمان به وطاعته فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه (وأقاموا الصلاة) وأتموا الصلوات الخمس. وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا فأثنى الله عليهم: أي لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه. وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم. والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور، ومعنى قوله (وأمرهم شورى بينهم) أي ذو شورى، وكذلك قولهم ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة شورى. هو أن يقتصروا في الانتصار على ما جعله الله لهم ولا يعتدوا. وعن النخعي أنه كان إذا قرأها قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق. فإن قلت أهم محمودون على
(٤٧٢)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 466 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 ... » »»