الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٩٤
قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون * وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها
____________________
قوم خصمون) لد شداد الخصومة دأبهم اللجاج كقوله تعالى - قوما لدا - وذلك أن قوله تعالى - إنكم وما تعبدون من دون الله - ما أريد به إلا الأصنام وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " إنما قصد به الأصنام، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة، إلا أن ابن الزبعرى نجبه وخداعه وخبث دخلته لما رأى كلام الله ورسوله محتملا لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به أصنامهم لاغير، وجد للحية مساغا فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله على طريقة المحك والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقع في ذلك فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه - إن الذين سبقت لهم منا الحسنى - فدل به على أن الآية خاصة في الأصنام، على أن ظاهر قوله وما تعبدون لغير العقلاء، وقيل لما سمعوا قوله تعالى - إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم - قالوا نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدميا ونحن نعبد الملائكة فنزلت، وقوله - أآلهتنا خير أم هو - على هذا القول تفضيل لآلهتهم على عيسى لأن المراد بهم الملائكة - وما ضربوه لك إلا جدلا - معناه وما قالوا هذا القول: يعنى أآلهتنا خير أم هو إلا للجدال. وقرئ أآلهتنا خير بإثبات همزة الاستفهام وبإسقاطها لدلالة أم العديلة عليها، وفي حرف ابن مسعود خير أم هذا، ويجوز أن يكون جدلا حالا: أي جدلين. وقيل لما نزلت إن مثل عيسى عند الله قالوا: ما يريد محمد بهذا إلا أن نعبده وأنه يستأهل أن يعبد وإن كان بشرا كما عبدت النصارى المسيح وهو بشر، ومعنى يصدون يضجون ويضجرون، والضمير في أم هو لمحمد صلى الله عليه وسلم " غرضهم بالموازنة بينه وبين آلهتهم السخرية به والاستهزاء. ويجوز أن يقولوا لما أنكر عليهم قولهم: الملائكة بنات الله وعبدوهم ما قلنا بدعا من القول ولا فعلنا نكرا من الفعل، فإن النصارى جعلوا المسيح ابن الله وعبدوه ونحن أشف منهم قولا وفعلا، فإنا نسبنا إليه الملائكة وهم نسبوا إليه الأناسي، فقيل لهم مذهب النصارى شرك بالله ومذهبكم شرك مثله وما تنصلكم مما أنتم عليه بما أوردتموه إلا قياس باطل بباطل وما عيسى (إلا عبد) كسائر العبيد (أنعمنا عليه) حيث جعلناه آية بأن خلقناه من غير سبب كما خلقنا آدم وشرفناه بالنبوة وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبني إسرائيل (ولو نشاء) لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر (لجعلنا منكم) لولدنا منكم يا رجال (ملائكة) يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ولتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من أجسام وذات القديم متعالية عن ذلك (وإنه) وإن عيسى عليه السلام (لعلم للساعة) أي شرط من أشراطها تعلم به فسمى الشرط علما لحصول العلم به. وقرأ ابن عباس لعلم وهو العلامة وقرئ للعلم، وقرأ أبى لذكر على تسمية ما يذكر به ذكرا كما سمى ما يعلم به علما، وفي الحديث " أن عيسى عليه السلام ينزل على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها أفيق وعليه ممصرتان وشعر رأسه دهين وبيده حربة وبها يقتل الدجال فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلى خلفه على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به ". وعن الحسن أن الضمير للقرآن وأن القرآن به تعلم الساعة لأن فيه الإعلام بها (فلا تمترن بها) من المرية
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»