الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٨٢
إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت
____________________
الحقيقة هو الملك المتوسط، فصح أن التقاول كان بين الملائكة وآدم وإبليس وهم الملأ الأعلى، والمراد بالاختصام التقاول على ما سبق. فإن قلت: كيف صح أن يقول لهم (إني خالق بشرا) وما عرفوا من البشر ولا عهدوا به قبل؟
قلت: وجهه أن يكون قد قال لهم إني خالق خلقا من صفته كيت وكيت، ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم (فإذا سويته) فإذا أتممت خلقه وعدلته (ونفخت فيه من روحي) وأحييته وجعلته حساسا متنفسا (فقعوا) فخروا. كل للإحاطة، وأجمعون للاجتماع فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقى منهم ملك إلا سجد، وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد غير متفرقين في أوقات. فإن قلت: كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت: الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على وجه العبادة، فأما على وجه التكرمة والتبجيل فلا يأباه العقل إلا أن يعلم الله فيه مفسدة فينهى عنه. فإن قلت: كيف استثنى إبليس من الملائكة وهو من الجن؟ قلت: قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله - فسجد الملائكة - ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلا (وكان من الكافرين) أريد وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافرا لأن كان مطلق في جنس الأوقات الماضية فهو صالح لأيها شئت. ويجوز أن يراد: وكان من الكافرين في الأزمنة الماضية في علم الله. فإن قلت: ما وجه قوله (خلقت بيدي)؟ قلت: قد سبق لنا أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه، فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما حتى قيل في عمل القلب: هو مما عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدي له: يداك أوكتا وفوك نفخ، وحتى لم يبق فرق بين قولك
(٣٨٢)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»