الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٨٠
* قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار
____________________
بهم " من كلام الخزنة ما يصنع بقوله " بل أنتم لا مرحبا بكم " والمخاطبون: أعني رؤساءهم لم يتكلموا بما يكون هذا جوابا لهم. قلت: كأنه قيل، هذا الذي دعا به علينا الخزنة أنتم يا رؤساء أحق به منا لأغوائكم إيانا وتسببكم فيما نحن فيه من العذاب وهذا صحيح، كما لو زين قوم لقوم بعض المساوى فارتكبوه فقيل للمزينين: أخزى الله هؤلاء ما أسوأ فعلهم، فقال المزين لهم للمزينين: بل أنتم أولى بالخزي منا فلولا أنتم لم نرتكب ذلك (قالوا) هم الأتباع أيضا (فزده عذابا ضعفا) أي مضاعفا ومعناه ذا ضعف، ونحوه قوله تعالى - ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا - وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين كقوله عز وجل - ربنا آتهم ضعفين من العذاب - وجاء في التفسير عذابا ضعفا حياة وأفاعي (وقالوا) الضمير للطاغين (رجالا) يعنون فقراء المسلمين الذين لا يؤبه لهم (من الأشرار) من الأراذل الذين لاخير فيهم ولا جدوى، ولأنهم كانوا على خلاف دينهم فكانوا عندهم أشرارا (اتخذناهم سخريا) قرئ بلفظ الإخبار على أنه صفة لرجالا مثل قوله كنا نعدهم من الأشرار، وبهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم، وقوله (أم زاغت عنهم الأبصار) له وجهان من الاتصال: أحدهما أن يتصل بقوله - مالنا - أي مالنا لا نراهم في النار كأنهم ليسوا فيها، بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم، وهم فيها قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار، إلا أنه خفى عليهم مكانهم. والوجه الثاني أن يتصل باتخذناهم سخريا، إما أن تكون أم متصلة على معنى أي الفعلين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم الازدراء بهم والتحقير وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم على معنى إنكار الأمرين جميعا على أنفسهم، وعن الحسن: كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم، وأم أن تكون منقطعة بعد مضى اتخذناهم سخريا على الخبر أو الاستفهام كقولك: إنها لإبل أم شاء، وأزيد عندك أم عندك عمرو، ولك أن تقدر همزة الاستفهام محذوفة فيمن قرأ بغير همزته لأن أم تدل عليها فلا تفترق القراءتان إثبات همزة الاستفهام وحذفها وقيل الضمير في وقالوا لصناديد قريش كأبي جهل والوليد وأضرابهما والرجال عمار وصهيب وبلال وأشباههم.
وقرئ سخريا بالضم والكسر (إن ذلك) أي الذي حكينا عنهم (لحق) لابد أن يتكلموا به، ثم بين ما هو فقال هو (تخاصم أهل النار) وقرئ بالنصب على أنه صفة لذلك لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس. فإن قلت:
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»