الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٩
* هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد * هذا وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج * هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار
____________________
جنات عدن هي مفتحة لهم. كأن اللدات سمين أترابا لأن التراب مسهن في وقت واحد، وإنما جعلن على سن واحدة لأن التحاب بين الأقران أثبت. وقيل هن أتراب لأزواجهن أسنانهن كأسنانهم. قرئ يوعدون بالتاء والياء (ليوم الحساب) لأجل يوم الحساب كما تقول هذا ما تدخرونه ليوم الحساب: أي ليوم تجزى كل نفس ما عملت (هذا) أي الأمر هذا أو هذا كما ذكر (فبئس المهاد) كقوله - لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش - شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم: أي هذا جميم فليذوقوه أو العذاب هذا فليذوقوه، ثم ابتدأ فقال هو (حميم وغساق) أو هذا فليذوقوه بمنزلة - وإياي فارهبون - آي ليذوقوا. هذا فليذوقوه. والغساق بالتخفيف والتشديد: ما يغسق من صديد أهل النار، يقال غسقت العين إذا سال دمعها. وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده. وقيل لو قطرت منه قطرة في المشرق لنتنت أهل المغرب، ولو قطرت منه قرة في المغرب لنتنت أهل المشرق. وعن الحسن رضي الله عنه: الغساق عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى: إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثوابا في قوله - فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين - وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة (وأخر) ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة (أزواج) أجناس، وقرئ وآخر: أي وعذاب آخر أو ومذوق آخر، وأزواج صفة لآخر لأنه يجوز أن يكون ضروبا أو صفة للثلاثة وهى حميم وغساق وآخر من شكله، وقرئ من شكله بالكسر وهى لغة، وأما الغنج فبالكسر لاغير (هذا فوج مقتحم معكم) هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار أي دخل النار في صحبتكم وقرانكم والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها والقحمة الشدة، هذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض: أي يقولون هذا، والمراد بالفوج أتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة فيقتحمون معهم العذاب (لا مرحبا بهم) دعاء منهم على أتباعهم تقول لمن تدعو له مرحبا: أي أتيت رحبا من البلاد لا ضيقا أو رحبت بلادك رحبا ثم تدخل عليه " لا " في دعاء السوء، وبهم بيان للمدعو عليهم (إنهم صالوا النار) تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم، ونحوث قوله تعالى - كلما دخلت أمة لعنت أختها - وقيل هذا فوج مقتحم معكم كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم ولا مرحبا بهم إنهم صالوا النار كلام الرؤساء. وقيل هذا كله كلام الخزنة (قالوا) أي الأتباع (بل أنتم لا مرحبا بكم) يريدون الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به وعللوا ذلك بقولهم (أنتم قدمتموه لنا) والضمير للعذاب أو لصليهم. فإن قلت: ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلت: المقدم هو عمل السوء، قال الله تعالى - ذوقوا عذاب الحريق، ذلك بما قدمت أيديكم - ولكن الرؤساء لما كانوا السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه قيل أنتم قدمتموه لنا فجعل الرؤساء هم المقدمين وجعل الجزاء هو المقدم، فجمع بين مجازين لأن العاملين هم المقدمون في الحقيقة لا رؤساؤهم والعمل هو المقدم لا جزاؤه. فإن قلت: فالذي جعل قوله " لا مرحبا
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»