الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٨١
قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار * قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين إذ قال ربك للملائكة
____________________
لم سمى ذلك تخاصما؟ قلت: شبه تقاولهم وما يجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين من نحو ذلك، ولأن قول الرؤساء لا مرحبا بهم وقول أتباعهم بل أنتم لا مرحبا بكم من باب الخصومة، فسمى التقاول كله تخاصما لأجل اشتماله على ذلك (قل) يا محمد لمشركي مكة ما أنا إلا رسول (منذر) أنذركم عذاب الله للمشركين وأقول لكم إن الدين الحق توحيد الله وأن يعتقد أن لا إله إلا الله (الواحد) بلا ند ولا شريك (القهار) لكل شئ وأن الملك والربوبية له في العالم كله، وهو (العزيز) الذي لا يغلب إذا عاقب العصاة، وهو مع ذلك (الغفار) لذنوب من التجأ إليه. أو قل لهم ما أنا إلا منذر لكم ما أعلم، وأنا أنذركم عقوبة من هذه صفته، فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه (قل هو نبأ عظيم) أي هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولا منذرا وأن الله واحد لا شريك له نبأ عطيم لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة. ثم احتج لصحة نبوته بأن ما ينبئ به عن الملأ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط، ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس في علم ما لم يعلموا وهو الأخذ من أهل العلم وقراءة الكتب، فعلم أن ذلك لم يحصل إلا بالوحي من الله (إن يوحى إلى إلا أنما أنا نذير) أي لأنما أنا نذير، ومعناه: ما يوحى إلى إلا للإنذار فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه، ويجوز أن يرتفع على معنى ما يوحى إلى إلا هذا، وهو أن أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك: أي ما أومر إلا بهذا الأمر وحده وليس إلى غير ذلك. وقرئ إنما بالكسر على الحكاية: أي إلا هذا القول وهو أن أقول لكم - إنما أنا نذير مبين - ولا أدعى شيئا آخر. وقيل النبأ العظيم: قصص آدم عليه السلام والإنباء به من غير سماع من أحد. وعن ابن عباس: القرآن. وعن الحسن: يوم القيامة. فإن قلت: بم يتعلق إذ يختصمون؟ قلت: بمحذوف لأن المعنى ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم، و (إذ قال) بدل من إذ يختصمون. فإن قلت: ما المراد بالملأ الأعلى؟ قلت: أصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس لأنهم كانوا في السماء وكان التقاول بينهم. فإن قلت:
ما كان التقاول بينهم إنما كان بين الله تعالى وبينهم لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قال لهم وقالوا له، فأنت بين أمرين: إما أن تقول الملأ الأعلى هؤلاء ومان التقاول بينهم ولم يكن التقاول بينهم، وإما أن تقول التقاول كان بين الله وبينهم فقد جعلته من الملأ الأعلى. قلت: كانت مقاولة الله سبحانه بواسطة ملك، فكأن المقاول في
(٣٨١)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»