الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٨٤
خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين
____________________
الأولى وهى (خلقتني من نار) مجرى المعطوف عطف البيان من المعطوف عليه في البيان والإيضاح (منها) من الجنة وقيل من السماوات، وقيل من الخلقة التي أنت فيها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا وأظلم بعد ما كان نورانيا. والرجيم: المرجوم ومعناه المطرود كما قيل له المدحور والملعون لأن من طرد رمى بالحجارة على أثره والرجم الرمي بالحجارة، أو لأن الشياطين يرجمون بالشهب. فإن قلت: قوله (لعنتي إلى يوم الدين) كأن لعنة إبليس غايتها يوم الدين ثم تنقطع. قلت: كيف تنقطع وقد قال الله تعالى - فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين - ولكن المعنى: أن عليه اللعنة في الدنيا، فإذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة ما ينسى عنده اللعنة فكأنها انقطعت. فإن قلت: ما الوقت المعلوم الذي أضيف إليه اليوم؟ قلت: الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى ويومه الذي وقت النفخة جزء من أجزائه، ومعنى المعلوم: أنه معلوم عند الله معين لا يستقدم ولا يستأخر (فبعزتك) إقسام بعزة الله تعالى وهى سلطانه وقهره. قرئ فالحق والحق منصوبين على أن الأول مقسم به كالله في: إن عليك الله أن تبايعا، وجوابه (لأملأن). والحق أول اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه، ومعناه ولا أقول إلا الحق، والمراد بالحق إما اسمه عز وعلا الذي في قوله - إن الله هو الحق المبين - أو الحق الذي هو نقيض الباطل عظمه الله بإقسامه به، ومرفوعين على أن الأول مبتدأ محذوف الخبر كقوله لعمرك: أي فالحق قسمي لأملأن والحق أقول: أي أقوله كقوله كله لم أصنع، ومجرورين على أن الأول مقسم به قد أضمر حرف قسمه كقولك الله لأفعلن والحق أقول: أي ولا أقول إلا الحق على حكاية لفظ المقسم به ومعناه التوكيد والتشديد، وهذا الوجه جائز في المنصوب والمرفوع أيضا وهو وجه دقيق حسن. وقرئ برفع الأول وجره مع نصب الثاني وتخريجه على ما ذكرنا (منك) من جنسك وهم الشياطين (وممن تبعك منهم) من ذرية آدم. فإن قلت: أجمعين تأكيد لماذا؟ قلت: لا يخلو أن يؤكد به الضمير في منهم أو الكاف في منك مع من تبعك، ومعناه: لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا، أو لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت
(٣٨٤)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»