الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٨
* إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار * هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب
____________________
الأبد على طرح الياء والاكتفاء بالكسرة وتفسيره بالأيد من التأييد قلق غير متمكن (أخلصناهم) جعلناهم خالصين (بخالصة) بخصلة خالصة لا شوب فيها. ثم فسرها بذكرى الدار شهادة لذكرى الدار بالخلوص والصفاء وانتفاء الكدورة عنها. وقرئ على الإضافة، والمعنى: بما خلص من ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهم آخر إنما همهم ذكرى الدار لاغير، ومعنى ذكرى الدار: ذكراهم الآخرة دائبا ونسيانهم إليها ذكر الدنيا، أو تذكيرهم الآخرة وترغيبهم فيها وتزهيدهم في الدنيا كما هو شأن الأنبياء وديدنهم. وقيل ذكرى الدار: الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم. فإن قلت: ما معنى أخلصناهم بخالصة؟ قلت: معناه أخلصناهم بسبب هذه الخصلة وبأنهم من أهلها، أو أخلصناهم بتوفيقهم لها واللطف بهم في اختيارها، وتعضد الأول قراءة من قرأ بخالصتهم (المصطفين) المختارين من أبناء جنسهم، و (الأخيار) جمع خير، أو خير على التخفيف كالأموات في جمع ميت أو ميت (واليسع) كأن حرف التعريف دخل على يسع. وقرئ والليسع كأن حرف التعريف دخل على ليسع فيعل من اللسع. والتنوين في (وكل) عوض من المضاف إليه معناه: وكلهم من الأخيار (هذا ذكر) أي هذا نوع من الذكر وهو القرآن. لما أجرى ذكر الأنبياء وأتمه وهو باب من أبواب التنزيل ونوع من أنواعه، وأراد أن يذكر على عقبه بابا آخر وهو ذكر الجنة وأهلها، قال هذا ذكر ثم قال (وإن للمتقين) كما يقول الجاحظ في كتبه فهذا باب ثم يشرع في باب آخر. ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وقد كان كيت وكيت، والدليل عليه أنه لما أتم ذكر أهل الجنة وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار قال هذه وإن للطاغين، وقيل معنها: هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا. وعن ابن عباس رضي الله عنه: هذا ذكر من مضى من الأنبياء (جنات عدن) معرفة لقوله - جنات عدن التي وعد الرحمن - وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب، و (مفتحة) حال والعامل فيها ما في للمتقين من معنى الفعل، وفي مفتحة ضمير الجنات، والأبواب بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب كقولهم: ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال.
وقرئ جنات عدن مفتحة بالرفع على أن جنات عدن مبتدأ ومفتحة خبره أو كلاهما خبر مبتدأ محذوف: أي هو
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»