الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥٩
كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص.
____________________
غير منتظم فما وجه انتظامه؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يكون ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز كما مر في أول الكتاب، ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه كأنه قال: والقرآن ذي الذكر إنه لكلام معجز. والثاني أن يكون ص خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة كأنه قال هذه ص: يعنى هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر كما تقول هذا حاتم والله، تريد هذا هو المشهور بالسخاء والله، وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال أقسمت بص والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز، ثم قال بل الذين كفروا في عزة واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق وشقاق لله ورسوله، وإذا جعلتها مقسما بها وعطفت عليها والقرآن ذي الذكر جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله وأن تريد السورة بعينها، ومعناه أقسم بالسورة الشريفة والقرآن ذي الذكر كما تقول مررت بالرجل الكريم وبالنسمة المباركة ولا تريد بالنسمة غير الرجل. والذكر: الشرف والشهرة من قولك فلان مذكور - وإنه لذكر لك ولقومك - أو الذكرى والموعظة أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها كأقاصيص الأنبياء والوعد والوعيد، والتنكير في عزة وشقاق للدلالة على شدتهما وتفاقمهما. وقرئ في غرة أي في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق (كم أهلكنا) وعيد لذوي العزة والشقاق " فنادوا) فدعوا وستغاثوا. وعن الحسن: فنادوا بالتوبة (ولات) هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتوكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها إما الاسم وإما الخبر وامتنع بروزهما جميعا وهذا مذهب الخليل وسيبويه. وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان، و (حين مناص) منصوب بها كأنك قلت: ولا حين مناص لهم، وعنه أن ما ينتصب بعده بفعل مضمر: أي ولا أرى حين مناص ويرتفع بالابتداء أي ولا حين مناص كائن لهم، وعندهما أن النصب على ولات الحين حين مناص: أي وليس الحين حين مناص والرفع على ولات حين مناص حاصلا لهم. وقرئ حين مناص بالكسر، ومثله قول أبى زبيد الطائي:
طلبوا صلحنا ولات أوان * فأجبنا أن لات حين بقاء فإن قلت: ما وجه الكسر في أوان؟ قلت: شبه بإذ في قوله وأنت إذ صحيح في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين لأن الأصل ولات أوان صلح. فإن قلت: فما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم؟
قلت: نزل قطع المضاف إليه من مناص لأن أصله حين مناصهم منزلة قطعه من حين لاتخاذ المضاف والمضاف إليه وجعل تنوينه عوضا من الضمير المحذوف ثم نبي الحين لكونه مضافا إلى غير متمكن. وقرئ ولات بكسر التاء على البناء كجير. فإن قلت: كيف يوقف على لات؟ قلت: يوقف عليها بالتاء كما يوقف على الفعل الذي يتصل به تاء التأنيث. وأما الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة. وأما قول أبى عبيد إن التاء داخلة على حين فلا وجه له، واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في الإمام لا متشبث به، فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن القياس الخط. والمناص: المنجا والفوت، يقال ناصه ينوصه إذا فاته، واستناص: طلب المناص، قال حارثة بن بدر:
غمر الجراء إذا قصرت عنانه * بيد استناص ورام جرى المسحل
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»