____________________
مبطلين: نحن أهل كتب وشرائع ومستندون إلى رسل من رسل الله، ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله (وكذب الذين) تقدموهم من الأمم والقرون الخالية كما كذبوا. وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوة الاجرام وكثرة الأموال، فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم به مستظهرون فما بال هؤلاء؟ وقرئ يدرسونها من التدريس وهو تكرير الدرس، أو من درس الكتاب ودرس الكتب ويدرسونها بتشديد الدال يفتعلون من الدرس، والمعشار كالمرباع وهم العشر والربع. فإن قلت:
ما معنى (فكذبوا رسلي) وهو مستغنى عنه بقوله - وكذب الذين من قبلهم -؟ قلت: لما كان معنى قوله - وكذب الذين من قبلهم - وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسببا عنه، ونظيره أن يقول القائل: أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن ينعطف على قوله - وما بلغوا - كقولك ا بلغ زيد معشار فضل عمرو فتفضل عليه (فكيف كان نكير) أي للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله (بواحدة) بخصلة واحدة، وقد فسرها بقوله (أن تقوموا) على أنه عطف بيان لها، وأراد بقيامهم إما القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده، وإما القيام الذي لا يراد به المثول على القدمين ولكن الانتصاب في الامر والنهوض فيه بالهمة، والمعنى: إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لوجه الله خلاصا متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا (ثم تتفكروا) في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع هوى ولا ينبض لهما عرق عصبية حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسننه، وكذلك الفرد يفكر في نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها ويعرض فكره على عقله وذهنه وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم. والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويعمى البصائر ويمنع من الروية ويخلط القول، ومع ذلك يقل الانصاف ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ولا يسمع إلا نصرة المذهب. وأراهم بقوله (ما بصاحبكم من جنة) أن هذا الامر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة جميعا لا يتصدى لا دعاء مثله إلا رجلان: إما مجنون لا يبالي بافتضاحه إذا طولب بالبرهان فعجز بل لا يدري ما الافتضاح وما رقبة العواقب، وإما عاقل راجح العقل مرشح للنبوة مختار من أهل الدنيا لا يدعيه إلا بعد صحته عنده بحجته وبرهانه، وإلا فما يجدى على العاقل دعوى شئ لا بينة له عليه، وقد علمتهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل علمتموه أرجح قريش عقلا وأرزنهم علما وأثقبهم ذهنا وآصلهم رأيا وأصدقهم قولا وأنزههم نفسا وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحون به، فكان مظنة لان تظنوا به الخير وترجحوا فيه جانب الصدق على الكذب، وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم آية، فإذا أتى بها تبين أنه نذير مبين. فإن قلت: ما بصاحبكم بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يكون كلاما مستأنفا تنبيها من الله عز وجل على
ما معنى (فكذبوا رسلي) وهو مستغنى عنه بقوله - وكذب الذين من قبلهم -؟ قلت: لما كان معنى قوله - وكذب الذين من قبلهم - وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسببا عنه، ونظيره أن يقول القائل: أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن ينعطف على قوله - وما بلغوا - كقولك ا بلغ زيد معشار فضل عمرو فتفضل عليه (فكيف كان نكير) أي للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله (بواحدة) بخصلة واحدة، وقد فسرها بقوله (أن تقوموا) على أنه عطف بيان لها، وأراد بقيامهم إما القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده، وإما القيام الذي لا يراد به المثول على القدمين ولكن الانتصاب في الامر والنهوض فيه بالهمة، والمعنى: إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لوجه الله خلاصا متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا (ثم تتفكروا) في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع هوى ولا ينبض لهما عرق عصبية حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسننه، وكذلك الفرد يفكر في نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها ويعرض فكره على عقله وذهنه وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم. والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويعمى البصائر ويمنع من الروية ويخلط القول، ومع ذلك يقل الانصاف ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ولا يسمع إلا نصرة المذهب. وأراهم بقوله (ما بصاحبكم من جنة) أن هذا الامر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة جميعا لا يتصدى لا دعاء مثله إلا رجلان: إما مجنون لا يبالي بافتضاحه إذا طولب بالبرهان فعجز بل لا يدري ما الافتضاح وما رقبة العواقب، وإما عاقل راجح العقل مرشح للنبوة مختار من أهل الدنيا لا يدعيه إلا بعد صحته عنده بحجته وبرهانه، وإلا فما يجدى على العاقل دعوى شئ لا بينة له عليه، وقد علمتهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل علمتموه أرجح قريش عقلا وأرزنهم علما وأثقبهم ذهنا وآصلهم رأيا وأصدقهم قولا وأنزههم نفسا وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحون به، فكان مظنة لان تظنوا به الخير وترجحوا فيه جانب الصدق على الكذب، وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم آية، فإذا أتى بها تبين أنه نذير مبين. فإن قلت: ما بصاحبكم بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يكون كلاما مستأنفا تنبيها من الله عز وجل على