الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٥
من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون * ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين
____________________
(من الله) إما أن يتعلق بيأتي فيكون المعنى: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده حد كقوله تعالى - فلا يستطيعون ردها - أو بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجئ به ولا رد له من جهته. والمرد مصدر بمعنى الرد (يصدعون) يتصدعون: اي يتفرقون كقوله تعالى - ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون - (فعليه كفره) كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضار لان من كان ضاره كفره فقد أحاطت به كل مضرة (فلأنفسهم يمهدون) أي يسوون لأنفسهم ما يسويه لنفسه الذي يمهد فراشه ويوطئه لئلا يصيبه في مضجعه ما ينيبه عليه، وينغص عليه مرقده من نتوء أو قضض أو بعض ما يؤذى الراقد. ويجوز أن يريد فعلى أنفسهم يشفقون من قولهم في المشفق: أم فرشت فأنامت، وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعداه، ومنفعة الايمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه (ليجزى) متعلق بيمهدون تعليل له (من فضله) مما يتفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب، وهذا يشبه الكناية لان الفضل تبع للثواب فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له، أو أراد من عطائه وهو ثوابه لان الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب، وتكرير (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح، وقوله (إنه لا يحب الكافرين) تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس (الرياح) هي الجنوب والشمال والصبا وهي رياح الرحمة. وأما الدبور فريح العذاب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم أجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وقد عدد الأغراض في إرسالها، وأنه أرسلها للبشارة بالغيث ولاذاقة الرحمة، وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه. والروح الذي مع هبوب الريح وزكاء الأرض. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض " وإزالة العفونة من الهواء وتذرية الحبوب، وغير ذلك (ولتجرى الفلك) في البحر عند هبوبها، وإنما زاد (بأمره) لان الريح قد تهب ولا تكون مؤاتية فلابد من إرساء السفن والاحتيال لحبسها، وربما عصفت فأغرقتها (ولتبتغوا من فضلة) يريد تجارة البحر. ولتشكروا نعمة الله فيها. فإن قلت: بم يتعلق وليذيقكم؟ قلت: فيه وجهان: أن يكون معطوفا على مبشرات على المعنى كأنه قيل ليبشركم وليذيقكم، وأن يتعلق بمحذوف تقديره وليذيقكم وليكون كذا وكذا أرسلناها. اختصر الطريق إلى الغرض بأن أدرج تحت ذكر الانتصار والنصر ذكر الفريقين وقد أخلى الكلام أولا عن ذكرهما، وقوله (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) تعظيم للمؤمنين ورفع من شأنهم وتأهيل لكرامة سنية وإظهار لفضل سابقة ومزية حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم، وقد يوقف على حقا، ومعناه: وكان الانتقام منهم حقا ثم يبتدأ علينا نصر المؤمنين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»