الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢١٨
وكذلك تخرجون ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون * ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ومن آياته يريكم البرق
____________________
الطائر. وإحياء الأرض إخراج النبات منها (وكذلك تخرجون) ومثل ذلك الاخراج تخرجون من القبور وتبعثون، والمعنى: أن الابداء والإعادة متساويان في قدرة من هو قادر على الطرد والعكس من إخراج الميت من الحي وإخراج الحي من الميت وإحياء الميت وإماتت الحي. وقرئ الميت بالتشديد وتخرجون بفتح التاء (خلقكم من تراب) لأنه خلق أصلهم منه، و (إذا) للمفاجأة، وتقديره: ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض كقوله - وبث منهما رجالا كثيرا ونساء - (من أنفسكم أزواجا) لان حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال أو من شكل أنفسكم وجنسها لا من جنس آخر، وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الألف والسكون، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر (وجعل بينكم) التواد والتراحم بعصمة الزواج بعد أن لم تكن بينكم سابقة معرفة والالقاء ولا سبب يوجب التعاطف من قرابة أو رحم. وعن الحسن رضي الله عنه:
المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كما قال - ورحمة منا - وقال - ذكر رحمة ربك عبده - ويقال سكن إليه إذا مال إليه كقولهم انقطع إليه واطمأن إليه، ومنه السكن وهو الألف المسكون إليه فعل بمعنى مفعول. وقيل إن المودة والرحمة من قبل الله وإن الفرك من قبل الشيطان. الألسنة: اللغاة أو أجناس النطق وأشغاله، خالف عز وعلا بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ولا جهارة ولا حدة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكذلك الصور وتخطيطها والألوان وتنويعها ولاختلاف ذلك وقع التعارف، وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة، وربما رأيت توأمين يشتبهان في الحلية فيعروك الخطأ في التمييز بينهما وتعرف حكمة الله في المخالفة بين الحلى. وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وفرعوا من أصل فذ وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون. وقرئ للعالمين بفتح اللام وكسرها ويشهد للكسر قوله تعالى - وما يعقلها إلا العالمون - هذا من باب اللف، وترتيبه: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار، إلا أنه فصل بين القرينين الأولين بالقرينين الآخرين لأنهما زمانان والزمان والواقع فيه كشئ واحد مع إعانة اللف على الاتحاد، ويجوز أن يراد منامكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما، والظاهر هو الأول لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن. يسمعونه بالاذان الواعية. في (يريكم) وجهان: إضمار أن، وإنزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وقول القائل:
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»