الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٤٨
بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون. ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قيل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون. قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوى أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به
____________________
أو هديت إليه، والمضاف إليه ههنا هو المهدى إليه. والمعنى: إن ما عندي خير مما عندكم، وذلك أن الله أتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع، وأتاني من الدنيا مالا يستزاد عليه، فكيف يرضى مثل بأن يمد بمال ويصانع به (بل أنتم) قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فلذلك (تفرحون) بما تزادون به ويهدى إليكم لأن ذلك مبلغ همتكم وحالي خلاف حالكم وما أرضى منكم بشئ ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية فإن قلت: ما الفرق بين قولك أتمدني بمال وأنا أغنى منك وبين أن تقوله بالفاء؟ قلت: إذا قلته بالواو فقد جعلت مخاطبي عالما بزيادتي عليه في الغنى واليسار وهو مع ذلك يمدني بالمال، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده، كأني أقول له: أنكر عليك ما فعلت فإني غنى عنه، وعليه ورد قوله - فما آتاني الله - فإن قلت: فما وجه الإضراب؟ قلت: لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدى إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها، ويجوز أن تجعل الهدية مضافة إلى المهدى ويكون المعنى: بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك بأنكم قدرتم على إهداء مثلها، ويحتمل أن يكون عبارة عن الرد كأنه قال: بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها (ارجع) خطاب للرسول، وقيل للهدهد محملا كتابا آخر (لا قبل) لا طاقة، وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة: أي لا يقدرون أن يقابلوهم، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه لا قبل لهم بهم. الضمير في منها لسبأ. والذل أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العز والملك. والصغار أن يقعوا في أسر واستعباد ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا. يروى أنها أمرت عند خروجها إلى سليمان عليه السلام فجعل عرشها في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر قصر من قصور سبعة لها، وغلقت الأبواب ووكلت به حرسا يحفظونه، ولعله أوحى إلى سليمان عليه السلام باستيثاقها من عرشها، فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه الله به من إجراء العجائب على يده مع إطلاعها على عظيم قدرة الله وعلى ما يشهد لنبوة سليمان عليه السلام ويصدقها. وعن قتادة: أراد أن يأخذه قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها. وقيل أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختبارا لعقلها. وقرئ عفرية، والعفر والعفريت والعفرية والعفراء والعفارية من الرجال: الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه، ومن الشياطين، الخبيث المارد، وقالوا كان اسمه ذكوان (لقوى) على حمله (أمين) أتى به كما هو لا أختزل منه شيئا ولا أبدله (الذي عنده علم من الكتاب) رجل كان عنده اسم الله الأعظم، وهو " يا حي يا قيوم "
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»